الإطار الفكري لخطة ترامب حول غزة - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 10 أكتوبر 2025 1:03 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

الإطار الفكري لخطة ترامب حول غزة

نشر فى : الخميس 9 أكتوبر 2025 - 7:30 م | آخر تحديث : الخميس 9 أكتوبر 2025 - 7:30 م

منذ إطلاق الرئيس دونالد ترامب لما بات يعرف بخطة «العشرين نقطة» لوقف حرب الإبادة الجماعية فى قطاع غزة، وإحلال السلام فى الشرق الأوسط بأكمله كما ادعى، يلهث الجميع وراء تفاصيل المفاوضات الدقيقة الجارية بين الأطراف المعنية فى مدينة شرم الشيخ، سعيًا لبدء تطبيق واقعى وعملى لبنود الخطة فى مرحلتها الأولى. وهذه المرحلة هى الأكثر سهولة، وتتمثل فى الإفراج عن كل الرهائن، الأحياء منهم والأموات.

تَنَوعت ردود أفعال المعلقين والمسئولين بين مُشِيد بالخطة، أو مُنتقد لها، أو مشكك فى قابلية بنودها للتطبيق. ويعود هذا التباين إلى تعارض الأهداف بين الأطراف الفاعلة فى الخطة، بما فى ذلك الحكومة الإسرائيلية اليمينية، حركات المقاومة الفلسطينية المسلحة، الدول العربية والإسلامية، والولايات المتحدة.

يغيب عن النقاش، وسط زحمة الاهتمام بالتفاصيل، الحديث عن الإطار الفكرى الذى مهد لطرح ترامب خطته. من المعروف أن كل خطة تحتاج إلى إطار فكرى يغلفها، وإلى مبرر مقنع لأنصارها، وإلى براجماتية تُفرض على أعدائها. ولا تُعد ما يُطلق عليها «خطة ترامب» استثناءً؛ ففى الوقت الذى تبدو فيه بنود الخطة داعمة لكل مطالب إسرائيل وأهدافها باستثناء جزئية ترحيل سكان قطاع غزة، تعكس الخطة إطارًا فكريًا تتبناه أكثر أجنحة تيار المسيحية الصهيونية تطرفًا فى الولايات المتحدة.

• • •

يجتمع أنصار هذا التيار، المعروف بدعمه غير المحدود وغير المشروط لإسرائيل، حول خطوط عريضة، فى وقت لا يكترث فيه بأى من حقوق الفلسطينيين المنطقية والمشروعة، والمتفق عليها حتى بين أغلبية الإسرائيليين. ولفهم رؤية هذا التيار الذى تتبع الغالبية العظمى من أنصاره (هناك من يقدرهم بأكثر من 50 مليون أمريكى) العقيدة البروتستانتية، يجب فهم تأثر البروتستانتية باليهودية. وكيف نتج عن هذا التأثر تعايش يشبه التحالف المقدس بين البروتستانتية واليهودية بصورة عامة، مُوجدًا علاقة أكثر خصوصية بين الصهيونية اليهودية والبروتستانتية الأصولية. كما تتميز حركة المسيحية الصهيونية بسيطرة الاتجاه الأصولى (من أهم سياسييها حاليًا وزير الخارجية ومستشار الأمن القومى ماركو روبيو، والسفير الأمريكى بإسرائيل مايك هاكابى)، والتى تؤمن «بضرورة عودة الشعب اليهودى إلى أرضه الموعودة فى فلسطين، كل فلسطين، وإقامة كيان يهودى فيها يمهد للعودة الثانية للمسيح وتأسيسه لمملكة الألف عام».

تأثرت المسيحية الصهيونية بثلاث حركات، تجمع بينها خلفية التفسير الدينى المعتمد على النصوص التوراتية. وعلى الرغم من تباين هذه التوجهات وتناقض بعضها مع بعض أحيانًا، فإن التفسير الحرفى للتوراة والإيمان بضرورة مساعدة إسرائيل قد جمع بينها. والحركات هى: واحدة تهتم بقضية نهاية العالم ومؤشراتها، وثانية تهتم بقضية التقرب من اليهود من أجل المسيح، وثالثة تركز على الدفاع عن إسرائيل، وعلى مباركتها ودعمها بكل ما هو ممكن ومتاح.

لم يغير هذا التيار من مواقفه أو تشدده بعد مقتل أكثر من 67 ألف فلسطينى فى قطاع غزة خلال العامين الماضيين.

• • •

يرفض هذا التيار وجود دولة فلسطينية على حدود ما قبل 5 يونيو 1967، أو ضمن أى حدود تضم أراضى فلسطين التاريخية. ويرفض كذلك عودة اللاجئين، كما يرفض أى حوار بشأن مستقبل القدس. ويُكرر أنصار هذا التيار مقولات من قبيل أن الاستمرار فى التعويل على حل دبلوماسى عن طريق التفاوض للصراع الإسرائيلى الفلسطينى يعد من الجنون. كما يسخرون مما يُشار إليه بعملية سلام الشرق الأوسط، حيث يتم «تكرار أحاديث الماضى واتباع المسارات نفسها وتوقع نتائج مختلفة»، كما يقولون، فى إشارة إلى عملية سلام الشرق الأوسط المستمرة منذ أكثر من أربعة عقود، من دون تحقيق تقدم. ويعتقد أنصار هذا التيار أن «المبادئ البالية القديمة، مثل الأرض مقابل السلام، أو حل الدولتين (دولة فلسطينية بجوار دولة إسرائيلية)، أو أن القدس الشرقية عاصمة لفلسطين، أصبحت أوهامًا يجب معها التمتع بالشجاعة لعدم الحديث عنها بعد الآن». ويدعو تيار المسيحية الصهيونية إلى التفكير الجديد لحل الصراع، بعيدًا عن أوهام الماضى، لإمكانية التفاعل بمنطلقات جديدة وحسم الصراع وحله.

• • •

ينطلق منطق حسم الصراع عند هذا التيار من رؤية تاريخية لصراعات القرن العشرين، التى تم حسمها بانتصارات واضحة وصريحة، وباعتراف كل أطرافها، ونجاحها فى إنجاز سلام بعد ذلك. ويستشهدون هنا بحالة الهزيمة الكاملة لألمانيا واليابان فى الحرب العالمية الثانية، والتى نَعِمت فيها الدولتان بالسلام الكامل لاحقًا، بعدما اعترفتا أولًا بالهزيمة الكاملة، واستسلمتا للمنتصرين.

أما الصراعات والحروب التى لم تُحسم بهزيمة واضحة واعتراف كامل بها، فلم يتحقق السلام فيها ولا بعدها. وبالمنطق نفسه، يرى مفكرو المسيحية الصهيونية أن عدم حسم إسرائيل لانتصاراتها العسكرية وعدم دفعها الفلسطينيين والعرب إلى الاعتراف الكامل وغير المشروط بالهزيمة هو ما يجعل الصراع مستمرًا بلا نهاية. ويرى هذا التيار أن هناك فرصة نادرة حاليًا للاعتراف بالهزيمة الفلسطينية العربية الإسلامية فى الصراع مع إسرائيل بعدما تم تدمير قطاع غزة أمام أعينهم.

يؤمن هذا التيار بأنه لا يجب الانتظار لحل قضية الصراع الفلسطينى الإسرائيلى لكى تحل بقية قضايا الشرق الأوسط وصراعاته. ويعتقدون أن أصل الصراع وقلب المشكلة هو عدم الاعتراف الفلسطينى بإسرائيل دولة يهودية مستقلة، فهم يؤمنون أنه لم تعد هناك أية إمكانية لقيام دولة فلسطينية، بعدما خسر الفلسطينيون فرصة تاريخية مُنحت لهم بين عامى 2000 و 2008. لذا يدعو هذا التيار الفلسطينيين إلى إدراك أن قادتهم والقادة العرب تسببوا فى هزيمتهم، وضيعوا فرصًا حقيقية للسلام. ويريد هذا التيار من الفلسطينيين أن يُقروا بانتصار المشروع الإسرائيلى، وهزيمة المشروع الفلسطينى العربى، وبأن لا مكان لهم فى الضفة الغربية ولا قطاع غزة، وأن بديل دولة مستقلة يتبخر سريعًا، وإن استلزم إيجاد دولة فلسطينية فلتكن بديلا للأردن، أو على أرض سيناء.

تتضمن خطة ترامب نقطة خطيرة تتماهى مع الإطار الفكرى الخاص بها، وهى النقطة رقم 18، التى جاء نصها: «إطلاق عملية حوار بين الأديان قائمة على قيم التسامح والتعايش السلمى، وذلك بهدف تغيير المفاهيم والمواقف السائدة لدى الفلسطينيين والإسرائيليين والتأكيد على المزايا التى يمكن تحقيقها من خلال السلام».

وجوهر هذه النقطة هو ضرورة إبعاد الصراع عن أصله، وضرورة أن تساهم المناهج التعليمية العربية والإسلامية فى إقناع أجيال جديدة من الشباب والأطفال العرب بأن «الاحتلال ليس هو أصل القضية».

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات