لا يفهم المواطن البسيط المصطلحات الاقتصادية المعقدة مثل التضخم، أو انعكاس رفع أو خفض أسعار الفائدة على الاستثمار، كما لا يعنيه كثيرًا الحديث الفخيم عن ضرورات الإصلاح الاقتصادى فى ظل عجز الموازنة العامة، أو التزامات الحكومة بسداد الديون الخارجية، وفق الاتفاق مع صندوق النقد أو غيره.
رجل الشارع العادى لا يهمه، أيضًا، الاستغراق فى تبرير الأسباب والدوافع وراء رفع أسعار السلع الاستراتيجية كالوقود أو المواد الغذائية، بقدر ما يعنيه سؤال واحد بسيط: هل يمكن للجنيهات القليلة فى جيبه أن تؤمن احتياجات أسرته اليومية أم لا؟
من هنا، وبرغم كل التوقعات برفع أسعار الوقود، التى مهدت لها الحكومة فى أكثر من مناسبة، لم يكن سهلًا على المواطنين استيعاب القرار الأخير برفع سعر المواد البترولية، وما تبعه من ارتفاع فورى فى أسعار المواصلات بجميع مواقف السيارات من أسوان إلى الإسكندرية، بما يُعادل الزيادة التى طالت أسعار البنزين والسولار، والتى بلغت قيمتها جنيهين للتر الواحد.
ووفقًا للأسعار الجديدة التى أعلنتها وزارة البترول والثروة المعدنية، ارتفع سعر بنزين 95 من 19 إلى 21 جنيهًا للتر، وبنزين 92 من 17.25 إلى 19.25 جنيه، وبنزين 80 من 15.75 إلى 17.75 جنيه، كما زاد سعر السولار من 15.5 إلى 17.5 جنيه للتر.
الزيادة التى بلغت نسبتها نحو 13% هى الثانية خلال العام الجارى، وقد أعلنت وزارة البترول أنه سيتم تثبيت الأسعار لمدة عام كامل على الأقل، بعد أن كانت لجنة التسعير التلقائى للمنتجات البترولية تراجع الأسعار كل ستة أشهر، أو ثلاثة فى فترات سابقة.
وهو ما يثير تساؤلًا مشروعًا: لماذا التثبيت لعام كامل، فى وقت تتوقع فيه مؤسسات دولية مثل «ستاندرد آند بورز جلوبال» انخفاض أسعار خام برنت إلى نحو 55 دولارًا للبرميل بنهاية العام، بينما تشير وكالة معلومات الطاقة الأمريكية إلى أن متوسط السعر المتوقع لعام 2026 سيكون فى حدود 51 دولارًا للبرميل، فى حين يتجاوز السعر حاليًا حاجز الـ61 دولارًا بقليل؟
لا نريد الانزلاق إلى جدل واسع حول التكلفة الفعلية للتر البنزين محليًا أو عالميًا، ولا الغرق فى مقارنات حول مستويات الدخل بين مجتمع وآخر، لأن هناك اختلافًا فى التقديرات حتى وسط خبراء البترول.
وكالعادة، ومع كل رفع فى أسعار الوقود، هرعت الأجهزة المحلية إلى مواقف السيارات، خصوصًا فى الأقاليم، لضمان تطبيق نسبة الزيادة الجديدة على تعريفة الركوب من دون زيادة أو تلاعب، ومنعًا للخلافات التى تتكرر فى مثل هذه الحالات.
وفى الوقت نفسه، سارع وزير التموين الدكتور شريف فاروق إلى التأكيد على أنه «لا مساس بسعر الخبز البلدى المدعم»، مشددًا فى بيان رسمى على أن الدولة مستمرة فى تحمّل فرق تكلفة الإنتاج وسداده لأصحاب المخابز، بما يضمن استمرار صرف الخبز البلدى عبر بطاقات التموين بنفس السعر، من دون أى أعباء إضافية على المواطنين.
فى المقابل، قال خالد صبرى، المتحدث باسم شعبة المخابز العامة باتحاد الغرف التجارية، فى تصريحات منشورة، إن تحريك أسعار السولار سينعكس تلقائيا على تكلفة إنتاج الخبز السياحى والإفرنجى بنسبة تتراوح بين 10 و15%، مرجحًا أن تبدأ الزيادة خلال أسبوع، لتصل فى المتوسط إلى نحو 10%.
ورغم أن تداعيات قرار رفع أسعار الوقود على السلع الأساسية لم تظهر بشكل فورى حتى الآن، فإن ذلك لا يعنى أن عدوى «التحريك» - كما تسميه الحكومة - لن تمتد إلى باقى السلع، خصوصًا مع دوران عجلة النقل والشحن اليومية، وارتفاع تكلفة نقل الخضراوات والفواكه التى تقطع رحلة طويلة من الحقول إلى البطون!
تتحدث الحكومة عن تحسن فى الأداء الاقتصادى، وتبشر بـ«الخير القادم مع قليل من الصبر»، وقال أحمد كجوك، وزير المالية، خلال حوار مفتوح بالجامعة الأمريكية فى القاهرة قبل أيام، إن موقفنا الاقتصادى والمالى جيد ويتحسن، وقد حققنا نتائج أفضل من المستهدف، مؤكدًا أن الاقتصاد المصرى بدأ يَشم نَفسه.
غير أن السؤال الأهم، فى تقديرى، هو: متى يبدأ المواطن المصرى هو الآخر «يَشم نَفسه»، ويشعر بالتحسن الذى تتحدث عنه الحكومة؟