التفرغ للبحث العلمي في مصر - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 9:46 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التفرغ للبحث العلمي في مصر

نشر فى : السبت 4 نوفمبر 2017 - 8:25 م | آخر تحديث : السبت 4 نوفمبر 2017 - 8:25 م
في العقود الثلاث الماضية ازداد الاهتمام الشعبي بالبحث العلمي في مصر خاصة بعد حصول الدكتور أحمد زويل على جائزة نوبل سنة 1999 وكذلك اهتمام الدراما بشخصيات العلماء مثل المسلسل التليفزيوني عن الدكتور علي مصطفى مشرفة، هذا خلق نوعا من المثل العليا والأبطال في وعي الجيل الجديد وأصبحنا نرى حماسا كبيرا من الشباب في مصر نحو البحث العلمي، لكن الحماس شيئ والعمل نحو الهدف شئ آخر مثل الإهتمام بهواية ما والاستمتاع بها وما أن تتحول لإحتراف أصبحت الهواية عملاً وأصبح لزاماً عليك أن تقوم بها سواء كنت تشعر بحماس أم لا.. في هذا المقال سنتحدث عن من يريدون الإشتغال بالبحث العلمي في مصر في عصرنا هذا: ما هي المشاكل وكيف نتغلب عليها.. والمقال هنا موجه للشباب والأفراد وليس خطة للنهوض بالبحث العلمي في مصر فالسياسة العلمية موضوع آخر قد نتحدث فيه مستقبلا.

طبعا لن نتحدث عن أهمية البحث العلمي وأنه أحد جناحان تصعد بهما الأمم نحو مصاف الدول العظمى (الجناح الآخر هو التعليم) ولكن نتحدث عن أهمية البحث العلمي لك شخصيا: لماذا تريد أن تعمل بالبحث العلمي؟ ويجب أن تكون صادقا مع نفسك، هل تريد البحث العلمي من أجل الهالة التي يغلَف بها من يعملون به ونظرة الآخرين لك بأنك العالم الباحث؟ أم تريد أن تعمل في البحث العلمي لأنك تستمع به (انظر الملحوظة أعلاه عن الهواية والاحتراف)؟ أم تريد البحث العلمي لأنها قد تعطيك حرية في العمل أكثر من أعمال أخرى؟ أم تريد البحث العلمي لأنك تريد أن تساعد البشرية؟ أم لأن البحث العلمي قد يكون أجزل من حيث المال من بعض الوظائف الأخرى؟ لنحلل كل واحدة من هذه الأسباب.

إذا كنت تريد البحث العلمي من أجل "الفشخرة" فالأحرى أن تجد لنفسك عملا آخر أولا لأنك ستدخل في معارك كثيرة مع زملائك من أجل أن تظهر أنت كأنك صاحب البحث وثانياً لأنك ستكون مشرفاً سيئاً للطلبة (إذا كنت تعمل في جامعة) لأنك ستجعلهم يعملون كالعبيد من أجل صورتك وليس من أجل أن يتعلموا وستحارب من أجل ألا يصبحوا باحثين ينافسونك عند تخرجهم هذا بالإضافة إلى العبء النفسي الذي سيظل معك طوال حياتك العملية لأن لحب الظهور ضغط نفسي، فالأفضل لك وللعالم أن تبحث عن عمل آخر وتقاوم آفة حب الظهور وهذا صعب جداً ولكنه ليس مستحيلا. 

إذا كنت تريد البحث العلمي لأنك تستمتع به فهذا شئ جيد ولكن يجب أن تدرب نفسك على أن تعمل به حتى وإن كانت حماستك فاترة أو كنت تحت ضغط فالإحتراف غير الهواية.

إذا كنت تظن أن البحث العلمي يعطيك حرية أكثر من الوظائف الأخرى فذلك ليس صحيحا تماما وليس خطأ أيضا، صحيح أن العمل في البحث العلمي يعطيك حرية في التفكير والتخطيط وعمل التجارب (إذا كنت تعمل في فرع عملي) ولكن إختيار المشكلة البحثية التي تعمل بها قد لا يكون بيدك، لو أنك تعمل في معمل أبحاث لشركة فأنت مقيد باستراتيجية الشركة وقد لا تستطيع نشر كل أبحاثك نظرا للتنافسية بين الشركة وسرية الأبحاث، حتى إذا كنت تعمل في جامعة فاختيار المشكلة البحثية يعتمد ليس فقط عليك ولكن على من يمول أبحاثك (إذا كنت تحصل على تمويل لأبحاثك) أو على الإمكانيات المتاحة لك (قد تود العمل في مشكلة بحثية معينة ولكنك لا تمتلك الإمكانيات اللازمة). إذا فحريتك مقيدة ما لم تكن تعمل في أبحاث نظرية في جامعة ولا تحتاج أجهزة أو طلبة ولديك الوقت الكافي.

العمل في البحث العلمي من أجل مساعدة البشرية أمر نبيل ولكن لنكن واقعيين فلسنا ملائكة وتتنازعنا مشاعر أخرى كثيرة مثل حب الظهور كما ذكرنا والحصول على المال والترقي في العمل.. إلخ ولكن العلم كما يقول أستاذنا الدكتور مشرفة هو البحث عن الحقيقية فإذا كان هذا هدفنا حتى لو كانت لنا مآرب أخرى فهذا يكفي وجيد.

أما من حيث المال فعادة من يعمل في الصناعة يحصل على مال أكثر من البحث العلمي!

الآن وبعد أن بحثنا الأسباب التي تجعلك تريد أن تعمل في البحث العلمي نأتي للأسباب التي تحتاجها لكي تنجح أو لكي تصبح عندك فرصة للنجاح.

أول شئ هو التفرغ، البحث العلمي يحتاج وقت وجهد وهذا بدوره يحتاج للتفرغ ويحتاج إمكانيات وهذه الإمكانيات هي الوقت (التفرغ) والأجهزة والطلبة (أو المساعدين أو الزملاء إن لم تكن في جامعة)، وفي الوقت الحالي من يعمل في البحث العلمي في مصر يواجه نقص في كل هذه الإمكانيات، ما لم تكن تعمل في مكان مهمته الأساسية هو البحث العلمي مثل المركز القومي للبحوث فأنت عندك مهمات أخرى بجانب البحث العلمي مثل التدريس أو العمل كاستشاري (من أجل لقمة العيش!) أو أعمال إدارية، وإذا كنت تعمل في مجال عملي يحتاج أجهزة باهظة التكاليف فنقص الموارد المالية وتعقيد البيروقراطية يقف حائلاً بينك وبين الحصول على هذه الأجهزة، وإذا كنت تعمل في جامعة فالطلبة ليست متفرغة طوال الوقت للبحث العلمي (حتى المعيدين منهم) لأسباب مادية في أغلب الأحوال.. فما الحل؟ 

أولا اختر مشكلة بحثية في ضوء الإمكانيات المتاحة، المشكلات النظرية مثلا لا تحتاج إمكانيات كبيرة ويجب أن تخصص وقتا كل يوم للعمل في هذه المشكلة البحثية حتى لو ساعة فالمداومة لها مفعول السحر ومن أكثر الصفات التي نسمعها عن الأساتذة الكبار مثل نجيب محفوظ ومحمد حسنين هيكل هي العمل في أوقات صارمة "كل يوم" وهذا من أهم أسباب نجاحهما وينطبق على كل المجالات ومنها البحث العلمي بالطبع.

إذا كنت تعمل بالتدريس فيمكنك تفكيك المشكلة البحثية إلى مشاكل أصغر وإعطائها للطلبة على هيئة مشاريع في مادة دراسية وبهذا يتعلمون ويساعدونك.

يمكنك كذلك التعاوم مع الباحثيم الآخرين في مصر والخارج وبذلك تزداد الإمكانيات المتاحة لك.

أيضا في الوقت الحالي توجد بعض المؤسسات في مصر تمول الأبحاث العلمية.

هذه مجرد مناقشة أولية أو قليل من كثير (أو غيض من فيض كما يقولون) والحديث موصول مستقبلا.
محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات