لغة تحفظ نسيجنا الاجتماعى - صحافة عربية - بوابة الشروق
الأربعاء 29 أكتوبر 2025 12:12 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

لغة تحفظ نسيجنا الاجتماعى

نشر فى : الثلاثاء 28 أكتوبر 2025 - 9:10 م | آخر تحديث : الثلاثاء 28 أكتوبر 2025 - 9:10 م

نشرت جريدة الخليج الإماراتية مقالًا للكاتبة شيماء المرزوقى، تدعو فيه إلى تقدير قوة «الصمت» باعتباره لغة حكيمة وراقية ونوعًا من الذكاء العاطفى ومنهجًا للتواصل الواعى والناضج. إذن، يمثل الصمت توازنًا ضروريًا مع «ضجيج الكلمات» والمعلومات الجارفة فى العصر الحديث، وليس انسحابًا سلبيًا.. نعرض من المقال ما يلى:

نحن فى عصر لا يتوقف فيه الكلام، ولا تتوقف فيه المعلومات التى تحملها الكلمات، سيل جارف من الحروف، والجمل، والمواضيع، التى لا يمكن تخيل توقفها إطلاقًا، وهو ما يجعلنا نعيش فى عالم من الضجيج والصخب. تقابل هذه الحالة قوة تسمى قوة الصمت، ويقال بأن الصمت لغة، ولعله من أندر اللغات، وربما أكثرها عمقًا، والصمت هنا ليس مثلما يعتقده البعض بأنه انسحاب أو هروب من التفاعل مع الآخرين، أو انسحاب من المجتمع، بل وسيلة وطريقة توازن مع ما يحيط بنا من ضجيج الكلمات، وهى لغة الحكماء، ويصح القول بأنها طريقة ومنهج للتواصل الراقى.

وفى كثير من المجتمعات ينظر إلى الصمت على أنه منهج سلوكى يدل على الاحترام والحكمة، لا على الضعف أو الخوف، كما قد يشيعه البعض ممن لديهم ثقافة سطحية وآراء لا تستند إلى العلم والمعرفة. تقول الباحثة فى الأنثروبولوجيا جودبث ن. مارتن، فى كتابها الذى نشر عام 2022 ويحمل عنوان «الاتصال بين الثقافات فى سياقاته»: «فى الثقافات عالية السياق، يعد الصمت علامة نضج اجتماعى، ووسيلة للتواصل بين من يفهمون بعضهم دون حاجة إلى شرح».

وقد اعتبر المؤلف دانييل جولمان، رائد مفهوم الذكاء العاطفى، أن الصمت نوع من الذكاء العاطفى، فقال: «الصمت فى لحظات الانفعال ليس انسحابًا، بل هو استخدام ناضج للعاطفة، يتيح للآخر أن يفهم رسالتك من خلال نبرة غيابك». وغنى عن القول بأن هناك صمتًا سلبيًا تمامًا كما أن هناك صمتًا بناء وإيجابيًا، وينحصر الصمت السلبى فى الصمت حين يتحول إلى تجاهل أو انغلاق دائم يمنع التواصل ويعمق الجفاء. وهو العكس تمامًا، عندما تتم ممارسة الصمت، بهدف تفادى الانفعال المؤذى، أو لتأمل الموقف والتفكير الهادئ، قبل التحدث والكلام. يقول الفيلسوف لودفيج فيتجنشتاين: «ما لا يمكن قوله، يجب أن يصمت عنه».

يبقى الصمت أسلوبًا عميقًا فى الإصغاء للآخر وأيضًا الإصغاء لأنفسنا، وما تقوله عقولنا بهدوء واطمئنان. مرة أخرى الصمت، ليس نقصًا فى المشاركة، بقدر ما هو حضور هادئ، ينبع من الوعى، يسهم فى تقوية الروابط، ويوسع المساحة الإنسانية التى تتقلص مع الضجيج الذى يسود عالمنا.

التعليقات