هذه الجملة قد تغضب منى الكثيرين من أولياء الأمور لكنها فى الحقيقة ليست موجهة للطلاب، بل للعلماء والشركات، هذا يحتاج إلى بعض الشرح، هناك بعض الأفكار والاختراعات والاكتشافات العلمية ما إن تسمعها حتى تتذكر اسم شخص أو شركة، مثلا إذا سمعت اسم التليفون ستتذكر اسم الكسندر جراهام بل، أو لو سمعت اسم مشغل الملفات الصوتية ستتذكر آبل وستيف جوبز، المفاجأة أن هؤلاء لم يكونوا الأوائل فى تلك المخترعات أو الاكتشافات لكنهم عُرفوا بها، فهل من الأفضل ألا نكون الأوائل؟ وإذا لم نكن الأوائل فماذا نفعل؟ وهل يمكن أن يغفل التاريخ الأوائل الحقيقيين ويحتفظ بآخرين؟ هذا موضوع مقالنا اليوم لكننا سنسقطه على الاكتشافات العلمية والمخترعات التكنولوجية وإن كنت أعتقد أنه ينسحب على كل شىء.
عندما تسأل أى شخص عن ماذا اكتشف أينشتاين ستجد دائما الإجابة المعلبة وهى «النسبية» وإذا كان الشخص متعمقا أكثر لقال إن أينشتاين هو من اكتشف وأثبت معادلة أن طاقة أى جسم تساوى كتلته مضروبة فى مربع سرعة الضوء وهى المعادلة الأشهر التى تشرح كيفية توليد الطاقة فى النجوم وفتحت الطريق أمام الأسلحة النووية، لكن المفاجأة هنا أن أينشتاين لم يكن المكتشف الأول لتلك المعادلة بل ولم يثبتها، بل هى مجهود جيش من العلماء منذ النصف الثانى من القرن التاسع عشر وينتهى بالعالمين هنرى بواكاريه (Henri Poincaré) و فريتز هازنهرل (Fritz Hasenöhrl)، ألكسندر جراهام بل لم يكن صاحب فكرة الاختراع الذى نسميه الآن التليفون بل الإيطالى أنطونيو ميوكى (Antonio Meucci).
أما إذا ذهبنا إلى المنتجات التكنولوجية سنجد مثلا أنه كانت هناك أجهزة كثيرة لتشغيل الأغانى والملفات الصوتية قبل الأيبود، لكن عندما ظهر الايبود أصبح رقم واحد فى المبيعات لمدة طويلة، بالمثل كانت هناك أدوات بحث على الإنترنت قبل جوجل لكن جوجل أصبح الأساس الآن يليه بينج من شركة مايكروسوفت، إذا رجعنا إلى الوراء أكثر لوجدنا أن فكرة وجود شاشة مليئة بالأيقونات وتستخدم الماوس للضغط عليها تم اختراعها فى معامل بل (Bell labs) لكن شركة آبل هى أول من استفاد منها ثم تلتها شركة مايكروسوفت عندما أصدرت الويندوز.
كل هذه الأمثلة وغيرها الكثير تدل على أنك قد تصبح الأول حتى ولو لم تكن الأول فى الاكتشاف العلمى أو السلعة أو الخدمة التكنولوجية التى أصبحت تعرف بها، فما هو السر؟ السر ناقشه باستفاضة الكاتب الكندى الأشهر مالكوم جلادويل فى كتابه «نقطة التحول» (ترجمة غير حرفية) أو (The Tipping Point) حيث يقول إن انتشار فكرة أو منتج يشبه انتشار الأوبئة أى إنه يحتاج شخص ورسالة (طريقة نقل الوباء) وبيئة مناسبة، الشخص ليس بالضرورة هو مبتكر الفكرة أو المنتج لكنه هو الذى وضعه موضع التنفيذ مع الاستفادة من المحاولات الأولى وقدرته على نقله لعدد كبير من المستفيدين، وهو ما صنعه ستيفز جوبز مع الايبود مثلا. أما الرسالة فهى بيان أهمية المنتج أو الفكرة، الناس شعرت بأهمية المعادلة التى تنسب لأينشتاين (الطاقة تساوى الكتلة فى مربع سرعة الضوء) عندما بدأت التجارب لصنع القنبلة النووية أثناء الحرب العالمية الثانية، أما البيئة المناسبة فتحدث مثلا حين يقتنع الناس أنهم يحتاجون هذه الفكرة أو المنتج، مثلا اقتنع الناس بأهمية أجهزة الكمبيوتر إذا فسهولة الاستخدام مهمة وهو ما سهّل قبول الناس لفكرة الأيقونات واستخدام الماوس، أو اقتناع الناس بأهمية الملفات الصوتية وسهولة استخدامها أكثر من شرائط الكاسيت وهو ما مهّد العالم لاستقبال الايبود بعد عدة محاولات من شركات أخرى استفادت منها شركة آبل بكل تأكيد.
لن نتكلم فى هذا المقال عن مخترعين عُرفوا بشىء أو استفادوا من شىء سرقوا فكرته من غيرهم أو أخذوا خيرات تلك الاختراعات من غيرهم لأنهم أبرع فى إدارة الأعمال بينها المخترعون الحقيقيون منغمسون فى العلم والاختراع ولا يعبئون بالشركات والأعمال والمثال الأشهر لذلك هما توماس إديسون والعبقرى نكولا تسلا.
أى اكتشاف علمى أو اختراع مهم أو حتى غير مهم لا يظهر فجأة لكنه يكون من تراكم معرفى وتراكم خبرات حتى يأتى من يضع النقطة الأخيرة، التاريخ غالبا ما يحتفظ باسم من وضع النقطة الأخيرة فى الفكرة أو الاختراع أو المنتج، شئنا هذا أم أبينا، للأسف.