الأستاذ أم الذكاء الاصطناعي.. من يحصل على ثقة الطالب؟ - محمد زهران - بوابة الشروق
الجمعة 3 أكتوبر 2025 9:57 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

الأستاذ أم الذكاء الاصطناعي.. من يحصل على ثقة الطالب؟

نشر فى : الجمعة 3 أكتوبر 2025 - 6:55 م | آخر تحديث : الجمعة 3 أكتوبر 2025 - 6:55 م

-    هل ما زال الطالب يثق بالأستاذ؟

-    لماذا الصراع على ثقة الطالب؟

-    هل يغنى الذكاء الاصطناعى عن الأستاذ؟

هذا العصر الذى نعيش فيه له من الخصائص التى تجعلنا فى حيرة من أمور كثيرة. أولا التقدم التكنولوجى يسير بخطى متسارعة، والسرعة ستزداد فى العصور القادمة لأنها ستعتمد على تكنولوجيا أكثر تقدما مما نملكه نحن. ثانيا العقل البشرى يتأقلم مع الأوضاع الجديدة، لذلك فالجيل الجديد الذى وُلد فى وجود الانترنت وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والقوية يمكنه متابعة طوفان من المعلومات وتعلم تكنولوجيا جديدة والتأقلم معها أكثر من الأجيال السابقة، أى إن الطالب لديه قدرات أكثر من أستاذه فى هذا الناحية. ثالثا نوع التكنولوجيا الذى يتطور سريعا، على الأقل حتى الآن، وهو الذكاء الاصطناعى يدخل فى صميم العملية التعليمية بمعناها الواسع، أى التى لا ترتكز فقط على التعليم الجامعى والمدرسى لكن أيضا أى نشاط يؤدى إلى إعطاء معلومة وإدخالها فى عقل الجيل الجديد.

هذه الأمور الثلاثة تجعلنا نتساءل: من المسئول عن إعطاء المعلومات للطالب وبالتالى تشكيل شخصيته ومعتقداته؟ هل الأستاذ كما تعود جيلى والأجيال السابقة؟ أم برمجيات الذكاء الاصطناعى؟ وكيف نتصرف حيال هذا الموقف الجديد: الأستاذ فى مواجهة الذكاء الاصطناعى؟ هذا ما سنناقشه فى مقالنا اليوم.

نحتاج أولا أن نتعرف أكثر على هذا الجيل الجديد.

• • •

الطالب فى عصرنا الحاضر

عندما نتعامل مع الطلاب يجب أن نضع فى اعتبارنا أنهم مختلفون عنا لأنهم وُلدوا فى عصر مختلف، ثورة الاتصالات والتقدم التكنولوجى الهائل فى أجهزة الكمبيوتر والبرمجيات بما فيها الذكاء الاصطناعى ووسائل التواصل الاجتماعى، بل والألعاب الإلكترونية أثرت تأثيرا كبيرا على طريقة تعاطيهم للمعلومات وفهمها، تكلمنا فى مقالات سابقة عن بعض تلك الصفات، سنعيدها هنا مع بعض الإضافات والتفصيل:

      •     الطالب الآن تركيزه قليل، يواجه صعوبات فى قراءة مقال طويل ناهيك عن قراءة كتب، إنه يعتمد على المعلومة السريعة قليلة الجمل أو حتى الفيديوهات القصيرة. هذا نتيجة الاستخدام الكثيف لوسائل التواصل الاجتماعى التى تعتمد على الصورة أو الفيديو القصير أكثر من الجمل.

      •     الطالب الآن لا يحفظ لأنه انتفت الحاجة للحفظ، هو يعتمد على محركات البحث أو سؤال برمجيات المحادثة المعتمدة على الذكاء الاصطناعى. المشكلة هنا هو كيف سيتأكد من صحة المعلومات التى تأتيه من تلك الوسائل؟ إنه غالبا يعطيها ثقته أو لنقل يكسل عن التأكد من المعلومة فيقنع نفسه أنها موثوق فيها.

      •     أغلب الطلاب للأسف مقتنعون أن الشهادة الجامعية هى مجرد ورقة سيستخدمونها للبحث عن عمل أو للوجاهة الاجتماعية، وأنهم يستطيعون الحصول على المعلومة أو تعلم مهارة عن طريق الانترنت، إنهم (أو أسرهم) يدفعون مبالغ باهظة فى الجامعات للحصول على تلك الورقة، وبالتالى هو يعتقد أنه يدفع ثمن الورقة وليس ثمن العلم والتعلم، وهذا وضع بائس يحتاج تفكيرا ومناقشة قد نقوم بها فى مقال مستقل مستقبلا.

      •     الطلاب أصبحوا لا يثقون أو يبجلون أساتذتهم مثلما كنا وكان من قبلنا يفعلون، السبب فى ظنى متعلق بوسائل التواصل الاجتماعى، عندما يجد الطالب أستاذه يكتب آراء قد يراها الطالب ساذجة، وبالتالى يفقد الثقة فى طريقة تفكير هذا الأستاذ، مع أن الأستاذ قد يكون حجة فى تخصصه. أصبح احترام الأستاذ الآن يأتى لأن الأستاذ أكبر سنا أو قد قام بموقف إنسانى مع الطالب، لكن القليل من الطلاب يحترمون أساتذتهم لسعة علم هؤلاء الأساتذة، إما للسبب الذى ذكرناه أو لأن الطالب قد يجد معلومات أكثر دقة أو صحة مما قاله الأستاذ عن طريق الانترنت والبرمجيات، أو لأن الطالب لا يحترم العلم قدر احترامه للمال مثلا.

      •     من الناحية الإيجابية فالطالب اليوم يمكنه التعامل مع أى تكنولوجيا جديدة بسرعة ومهارة أكثر بكثير من الجيل السابق.

      •     أيضا الطالب اليوم أصبح أكثر قدرة على التفكير المنطقى والنقدى حتى أمام أساتذته لأنه كما قلنا لم يعد يملك هذا التبجيل للأستاذ.

هذا عن الطالب، فماذا عن الأستاذ؟ 

• • •

الأستاذ فى عصرنا الحاضر

أغلب من يعمل فى الحقل التعليمى سواء الجامعى أو المدرسى يواجه مشكلات عدة، من أهمها:

      •     العامل الاقتصادى: لأن مرتبات الأساتذة متدنية بالنسبة لمهن أخرى كثيرة، وبالتالى لا يجد الأستاذ وقتا لتحديث معلوماته وأدواته لأنه يكون مشغولا بتحصيل الرزق عن طريق العمل فى عدة جامعات أو عمل تجارى خاص أو عمل استشارى إلخ.

      •     الأستاذ خاصة الأكبر سنا، يجد بعض الصعوبة فى متابعة التطورات التكنولوجية السريعة والتى تؤثر بعضها على مجاله هو نفسه.

      •     على الجانب الإيجابى عملية التدريس هى إحدى المهارات القليلة التى تتحسن مع التقدم فى السن لأن الأستاذ الجامعى يكتسب مع السنين خبرة فى التعامل مع الشخصيات المختلفة للطلاب، والتعامل مع المشكلات المتعلقة بالطلاب التى قد تحدث إما فى قاعات المحاضرات أو خارجها.

      •     الأستاذ عنده دأب وقدرة على التركيز والتدقيق فى المعلومة والتوثق منها أكثر من الطالب.

تعرفنا على الطالب والأستاذ فى عصرنا الحاضر، وتوجد بينهما برمجيات الذكاء الاصطناعى بجميع تنويعاتها، والطالب أقرب للثقة فى البرمجيات عن الثقة فى الأستاذ، فما الحل؟

• • •

المشكلة ومحاولة إيجاد حل

برمجيات الذكاء الاصطناعى موجودة وتأثيرها سيزداد مع الوقت، فلا مجال لمنع الطلاب من استخدامها، ولا مجال أيضا لتجاهلها فى العملية التعليمية، الحل فى تغيير دور الأستاذ.

الأستاذ يجب أن يركز على التفكير النقدى وتحليل المعلومة والتوثق منها عند استخدام برمجيات الذكاء الاصطناعى، كل أستاذ فى مجاله طبعا. هذا معناه أن على الأستاذ تعلم استخدام تلك البرمجيات فى تخصصه ثم تعليم ذلك للطالب مع تدريبه على مهارة التوثق من المعلومة، وشرح للطالب الظروف التى قد تؤدى إلى إجابات خاطئة أو متحيزة من تلك البرمجيات. هذا قد يكون معناه انتهاء عصر الكتاب الجامعى.

هكذا سيثق الطالب ليس فى معلومات الأستاذ، ولكن فى حكمة الأستاذ المتعلقة بالاستخدام الأمثل لتلك البرمجيات ثم تطبيق التفكير النقدى على النتائج. هذا طبعا سيحتاج مجهودا كبيرا من الأساتذة، وسيأتى تدريجيا.  الأستاذ يجب أيضا أن يسمح للطالب أن يختلف معه وتدور مناقشة فى قاعة المحاضرة حول نقاط الاختلاف. هكذا ستنمو المهارات الجديدة التى يحتاجها هذا العصر مثل التفكير النقدى والتحليل المنطقى والاستخدام الصحى لأدوات الذكاء الاصطناعى.

• • •

مصدر المعلومات تحول من الأستاذ والكتاب الجامعى إلى برمجيات الذكاء الاصطناعى… هذا ليس بالضرورة شيئا سيئا لو تمت إدارته بشكل جيد.

 

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات