التدريس في مواجهة البحث العلمي.. أيهما نضحي به؟ - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 13 سبتمبر 2025 12:58 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

التدريس في مواجهة البحث العلمي.. أيهما نضحي به؟

نشر فى : الجمعة 12 سبتمبر 2025 - 7:50 م | آخر تحديث : الجمعة 12 سبتمبر 2025 - 7:50 م

هل التدريس مجرد ترديد كلام فى قاعة المحاضرات؟

هل التدريس يضيع وقت الباحث؟

هل يمكن الجمع بين التدريس والبحث العلمى والتميّز فى كليهما؟

الأستاذ الجامعى فى عصرنا هذا عليه ثلاث مسئوليات جسام: التدريس، والبحث العلمى، والخدمات الأكاديمية. وتشمل الخدمات الأكاديمية تحكيم الأبحاث والاشتراك فى لجان علمية سواء داخل الجامعة التى يعمل بها أو خارجها. لن نتكلم عن هذه الخدمات اليوم، وسنركز على التدريس والبحث العلمى. حديثنا يركز على الأستاذ الجامعى فى الكليات العملية، لكن الكثير من النقاط التى سنثيرها يمكن أن تفيد الكليات النظرية، وكذلك البحث العلمى فى مراكز الأبحاث غير الجامعية.

عندما يتعلق الأمر بالبحث العلمى والتدريس يجب أن نضع فى اعتبارنا عدة أمور، بعضها مؤسف لكنه يصف حالنا اليوم.

        •       من يعمل بالبحث العلمى يكون فى نظر الناس أعلى مقامًا ممن يعمل بالتدريس فقط. هذا شىء مؤسف، لكنه يأتى من فكرة خاطئة عند الكثير من الناس، وهى أن التدريس مجرد ترديد معلومات أمام الطلاب، وهذا أمر سهل، أما البحث العلمى فهو شىء أشبه بالسحر لا يعرفه إلا الخاصة.

        •       فى بلد مثل أمريكا هناك نوعان من الجامعات: الجامعات البحثية مثل جامعة هارفارد وجامعة كولومبيا مثلا، وهى تركز على البحث العلمى أكثر من التدريس فى ترقيات الأساتذة، لما له من تأثير كبير على تصنيف الجامعة فى كل تخصص، لكن يقع على عاتق الأستاذ التدريس أيضًا. النوع الآخر هو الجامعات التعليمية، وهى على عكس الأولى تركز على التدريس أكثر من البحث العلمى، وتمنح الدرجات العلمية حتى درجة البكالوريوس أو الماجستير فقط. ويُطلب من الأساتذة عمل بعض الأبحاث العلمية لكن بدرجة أقل، لأن عدد المواد المطلوب من كل أستاذ تدريسها أكثر من النوع الأول من الجامعات.

        •       الأستاذ إما يركز أغلب جهده على البحث العلمى والقليل على التدريس، وإما العكس حسب الجامعة التى يعمل بها. لكن لو حاول تقسيم وقته بالتساوى بين التدريس والبحث العلمى فقد يفشل فى تحقيق المطلوب منه فى كليهما. مقال اليوم يحاول تفنيد هذه النقطة.

سنتحدث عن كيف يؤثر البحث العلمى على التدريس وبالعكس، حتى نرى إذا كان من الممكن التميّز فى كليهما. جدير بالذكر أنك قد ترى أستاذًا كبيرًا قد حصد العديد من الجوائز العلمية ويقضى وقتًا طويلًا فى التدريس وتأليف الكتب للطلبة... إلخ. عادة يكون هذا الأستاذ قد قضى فترة شبابه فى البحث العلمى مع وضع جهد أقل فى التدريس، حتى حصل على الأستاذية، ثم ولى وجهه شطر التدريس فى الفترة الثانية من حياته. نحن لا نتحدث عن هذا النوع، بل نتحدث عن إمكانية التركيز عليهما معًا منذ البداية.

• • •

تأثير البحث العلمى على التدريس

البحث العلمى له تأثير كبير على العملية التعليمية، فمثلاً:

        •       اكتشافات البحث العلمى هى المادة الخام التى يتم تحويلها إلى دروس للطلبة. وبدون بحث علمى لن نجد الجديد لنعطيه للطلبة، خاصة فى المواد المتقدمة. البحث العلمى قد يغيّر أيضًا بعض المواد الأساسية فى السنوات الأولى، لكن هذا يحدث بدرجة أقل.

        •       هناك نوع من البحث العلمى متعلق بالتدريس، خاصة فى كليات التربية وعلم النفس. ومخرجات هذه الأبحاث قد تقود إلى طرق أفضل للتدريس، وهذا تأثير يغفله الكثير من الناس حين يتحدثون عن تأثير البحث العلمى على التدريس.

        •       الأساتذة الذين يعملون فى البحث العلمى ينمو لديهم الفضول العلمى والتفكير النقدى، ويمكنهم نقل تلك الصفات إلى الطلبة مع المادة العلمية.

ما ذكرناه هو بعض النقاط عن فضل البحث العلمى على التدريس، لكن للتدريس أيضًا فضل على البحث العلمى لا يمكن إنكاره.

• • •

تأثير التدريس على البحث العلمى

التدريس يرد الجميل للبحث العلمى بطرق عدة:

        •       التدريس يشتمل على القدرة على توصيل المعلومة بأفضل وسيلة، وهذه القدرة تساعد على التواصل بين الباحثين، خاصة الباحثين من تخصصات مختلفة. وهناك مشروعات بحثية كثيرة تحتاج إلى علوم بينية، لذلك يجب أن يتواصل الباحثون بطريقة واضحة.

        •       المناقشات بين الأستاذ والطلبة قد تثير أسئلة لم تخطر ببال الأستاذ أو الباحث، والسؤال هو دائمًا بداية البحث، وهذه نقطة يصبح فيها التدريس قاطرة للبحث العلمى.

        •       المادة العلمية التى يتم تدريسها قد تشتمل على أسئلة بحثية، وبالتالى يقوم الطلاب ببحوث علمية داخل المادة الدراسية.

        •       التدريس هو الذى يبنى الباحث، فبدون تدريس لن نحصل على باحثين.

إذا تأملنا كل تلك النقاط سنجد أن الأستاذ الجامعى يمكنه فى أحيان كثيرة الاستفادة من التدريس فى البحث العلمى وبالعكس. وإليكم تجربة شخصية.

• • •

تجربة شخصية

هناك مادة دراسية قمت بتقديمها فى الدراسات العليا. هذه المادة لم تكن موجودة قبل أن آتى إلى الجامعة التى أعمل بها، لكنى تقدمت بطلب لإدخالها. وعادة ما تتم الموافقة على تلك الطلبات سريعًا ويتم إدراجها فى الفصل الدراسى التالى بدون الحاجة إلى مجلس قسم ثم مجلس كلية... إلخ. المهم أن هذه المادة تشتمل على مشروع يستغرق الفصل الدراسى، بالإضافة طبعًا إلى الأبحاث والواجبات العادية أثناء الفصل.

هذه المادة هى مادة دراسات عليا، وبالتالى الطلبة لديهم من المعلومات ما يؤهلهم لعمل أبحاث أكثر تقدمًا من مرحلة البكالوريوس. طلبت من الطلاب تقسيم أنفسهم إلى مجموعات صغيرة، وأعطيت كل مجموعة سؤالًا بحثيًا صغيرًا من مجموعة من الأسئلة البحثية المتعلقة ببرنامجى البحثى. هذه الأسئلة تحتاج إلى تجارب وتحليلات للنتائج... إلخ، مما يجعلها مناسبة للمشروع الكبير المطلوب من الطلبة. عندما علموا أن هذه أسئلة بحثية وليست مجرد واجبات، بدأوا يعملون بحماس شديد.

المفاجأة أن هناك أبحاثًا قد تم نشرها من تلك المشروعات، مما زاد من فرح الطلبة الذين حصلوا ليس فقط على درجة مرتفعة فى المادة، بل أيضًا نشروا أبحاثًا. الآن أصبحت هذه المادة محبوبة وشهيرة بين الطلبة حتى إن قائمة الانتظار للتسجيل بها أصبحت طويلة فى كل فصل دراسى تُقدَّم فيه، فهى من المواد النادرة التى تولدت منها أبحاث منشورة.

• • •

المناقشات فى قاعة المحاضرات تضىء طريقًا قد يكون خافيًا على الباحث، والبحث العلمى يجدد دماء العملية التعليمية.

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات