استقلالية القضاء فى بلاد العرب - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:36 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

استقلالية القضاء فى بلاد العرب

نشر فى : الجمعة 5 ديسمبر 2014 - 8:40 ص | آخر تحديث : الجمعة 5 ديسمبر 2014 - 8:40 ص

إبَان الثورة الفرنسية سمع الناس الصرخة الشهيرة: أيتها الحرية كم من الجرائم ترتكب باسمك. فى اللحظة التاريخية الحالية لبلاد العرب علينا أن نصرخ: كم من الجرائم ترتكب باسم استقلالية القضاء.

أيَة مبادئ وثوابت لاستقلالية القضاء العربى، عبر طول وعرض بلاد العرب، وقضاته يصدرون أشد وأقسى الأحكام بحق المناضلين السياسيين، ومن بينهم شباب وأطفال صغار، حتى إذا واجهوا اصحاب سلطة الأمس واليوم من الفاسدين الناهبين المستبدين اكتفوا بإصدار أكثر الأحكام ليونة ورفقا وتسامحا؟

رحم الله أحد قضاة المحكمة الأمريكية العليا، القاضى ثركود مارشال، الذى قال «بأننا، نحن القضاة يجب أن لا ننسى قط بأن المصدر الحقيقى لقوتنا هو احترام الشعب والناس لنا».

دعنا ننظر للموضوع ضمن معطيات الواقع العربى. إن الإنسان العربى، خصوصا المهمش الفقير الضعيف، لا يستطيع الاعتماد لحماية حقوقه وكرامته ورزقه على السلطة التشريعية لأنها ليست معنية برضاه طالما أن تكوينها وانتخابها والخيرات التى ترفل فيها تعتمد على غيره. وهو لا يستطيع الاعتماد على السلطة التنفيذية لأن أغلبها لا يخضع للمساءلة ولا للعقاب. وهو لا يستطيع الارتكان إلى السلطة الإعلامية، بشتى أشكالها، لأنها فى أغلبها ملك لأصحاب السلطة والمال والامتيازات، ولأنها مقيدة بألف قانون وألف ممنوع.

ما الذى يبقى لهذا الإنسان غير الاعتماد على إما سلطة القضاء النزيهة المطبقة لروح العدالة قبل منطوقها، وإما مؤسسات مجتمعه المدنى؟ لكن مجتمعه المدنى فى غالب الأحوال مغلوب على أمره، بعد أن ابتلعته سلطة الدولة العربية فى جوفها، وبالتالى يعيش حالة القادر العاجز. لا يبقى أمامه غير سلطة القضاء، وهى الآن مهددة بالاختراق بألف صورة وصورة.

•••

مراجعة أدبيات الديمقراطية تظهر أنه فى البلدان الديمقراطية تعتمد استقلالية القضاء على وجود سلطات ديمقراطية تسائله وتحميه وتحاسبه. ولذلك فإن بعض منظرى الديمقراطية لا يضعون القضاء المستقل حتى ضمن متطلبات الديمقراطية لاطمئنانهم بأن ذلك سيكون تحصيل حاصل فى وجود دولة تقوم على فاعلية مؤسسات ديمقراطية. أما عندنا، فى بلاد العرب، فإن غياب المؤسسات الديمقراطية المتوازنة الفاعلة المستقلة يجعل من أهمية وجود القضاء المستقل النزيه حاجة مجتمعية وجودية.

•••

فى العصر الحديث عندما يذكر القضاء يشترط توفر الشروط الثلاثة التالية:

• الاستقلالية التى يقصد بها فى الأساس عدم الخضوع لأية سلطة أخرى، وعلى الأخص السلطتين التشريعية والتنفيذية. لكن هذه الاستقلالية ستكون مهددة إذا كان تعيين القضاة وترقيتهم وإذا كانت منهجية إصدار الأحكام القضائية فى يد سلطة خارج سلطة القضاة.

• إمكانية حق «التشريع القضائى». هذا موضوع معقد ويحتاج إلى قضاة لديهم القدرة على استخلاص «قوانينهم» من روح القوانين ومقاصدها الكبرى، بما فيها الدساتير، التى صدرت من آخرين. هنا تأتى حنكة القاضى والتزاماته الأخلاقية ونقاوة ضميره ومدى حرصه على مصلحة المواطن قبل أية مصلحة أخرى.

• الطبقة التى ينتمى إليها القاضى. هذا الشرط يرتبط بالاعتقاد بأن متطلبات مصالح الطبقة التى ينتمى لها القاضى ستؤثر بصورة غير مباشرة على نوع الأحكام التى سيصدرها بسبب تأثيرها على نوع وعمق وعدالة قراءته للقوانين التى يستعلمها لإصدار أحكامه. هل لدينا شكوك بشأن التأثيرات الهائلة التى فرضتها وستفرضها الظروف المحيطة بالقاضى على أحكامه؟ الجواب موجود فى تاريخ العلاقة بين مؤسسات القضاء وخلافة الحكم العربية الإسلامية عبر القرون الماضية وفى مشاهد صدور أحكام على مئات الأشخاص من قبل محكمة واحدة وفى يوم واحد، والتى حيرت المواطن العربى وهزت إيمانه واحترامه لهذه الجهة أو تلك.

لا الحياة السياسية الراكدة حلت موضوع العدالة فى حياة العربى المنهك المغلوب على أمره، ولا الحياة السياسية الثورية قدرت على ذلك.

هذه أمة فى محنة ووسائل خروجها من محنها وجحيم حياتها تراوح بين أن تأتى ولا تأتى. إنه انتظار ممل حزين.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات