تستعد منظمة شنغهاى للتعاون للاضطلاع بدور محورى فى وقت يشهد فيه العالم شروق شمس عصر جديد، يتسم هذا العصر بتحولات اقتصادية وديناميكيات سياسية. تهدف المنظمة، بقيادة الصين، إلى تفكيك مفهوم سيادة القوة الواحدة فى النظام الدولى، وإقامة نظام عالمى متعدد الأقطاب من خلال تشكيل منظمات مماثلة. ومن أجل فهم التغيرات الاستراتيجية التى تعمل فى ظلها منظمة شنغهاى للتعاون، من الضرورى أن نفكر فى طريقة عمل النظام العالمى الحالى مقابل المبادئ الأساسية التى ينبغى أن يقوم عليها النظام العالمى الجديد.
لقد تطور نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى شبكة معقدة من الهيمنة الاقتصادية والسياسية. فبدلا من الاحتلال المباشر، تمارس الدول القوية الآن نفوذها من خلال الوسائل الاقتصادية، مما يضمن بقاء الدول النامية تحت سيطرتها، وتنطوى هذه الاستراتيجية على إعاقة التقدم الاقتصادى فى البلدان الأضعف للحفاظ على تبعيتها للأقوى.
هذا التدخل يعطل النمو الصناعى، مما يؤدى إلى التدهور الاقتصادى، ولأن الأخلاقيات السياسية - المقبولة عالميًا - غالبًا ما تتجاهلها هذه الدول القوية، يزداد الترويج للانفصال والتطرف والإرهاب فى البلدان النامية. ورغم الحاجة الواضحة إلى تغيير تلك الآلية التى يعمل بها العالم، إلا أن القوى المهيمنة بعد الحرب العالمية الثانية لم تبذل سوى أقل القليل من الجهد لمعالجة هذه القضايا، الأمر الذى أدى إلى تقويض مصداقية المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة.
فى هذا السياق، يبرز مفهوم «روح شنغهاى» Shanghai Spirit الذى تتبناه منظمة شنغهاى للتعاون باعتباره منارة للأمل. تؤكد «روح شانغهاى» على الثقة المتبادلة، واحترام التنوع الثقافى، والسعى إلى تحقيق التنمية المشتركة من خلال التشاور والتعاون. تتصور المنظمة نظاما عالميا لا يتم فيه قمع حقوق الدول الصغيرة والأضعف بالقوة، بل يتم حمايتها من خلال المنفعة المتبادلة.
الهدف الأساسى لمنظمة شنغهاى للتعاون هو حماية المصالح المشتركة للدول الأعضاء فيها وضمان استقلالها الذاتى. وهذا يتضمن معالجة مشاكل الأمن الإقليمى من خلال التعاون والحد من تأثير القوى الخارجية، وفى هذا الإطار تخدم مبادرة الأمن العالمى التى أطلقتها الصين هذه الأهداف، وتشجع البلدان الأعضاء على حل خلافاتها بالعمل سوية من أجل بلوغ الاستقرار الإقليمى.
على سبيل المثال، بالنسبة لباكستان - باعتبارها عضوا فى منظمة شنغهاى للتعاون - فإن مبادئ المنظمة تشكل أهمية خاصة لها. فباكستان لديها الفرصة لمعالجة قضاياها الطويلة الأمد مع جارتها الهند (عضو بالمنظمة أيضا) من خلال الحوار والتعاون. فى المقابل، مشاركة الهند الصادقة فى تحقيق أهداف منظمة شنغهاى للتعاون سوف تتطلب منها الانخراط بشكل بناء مع باكستان لحل النزاعات الثنائية.
• • •
تلعب باكستان دورا محوريا فى تعزيز دور منظمة شنغهاى للتعاون من خلال مشاركتها النشطة ومساهماتها الاستراتيجية. فمن خلال مواءمة سياساتها مع مبادئ المنظمة المتمثلة فى الثقة المتبادلة، واحترام السيادة، والنمو الاقتصادى المشترك، برزت باكستان باعتبارها لاعبا مهما فى تعزيز الاستقرار والتعاون الإقليميين. كما تتميز مشاركتها فى المنظمة بالتزامها بجهود مكافحة الإرهاب، وتعزيز التعاون الأمنى، والتكامل الاقتصادى بين الدول الأعضاء. وقد استضافت إسلام آباد العديد من اجتماعات ومنتديات المنظمة، مما سهل الحوار والتعاون بشأن القضايا الحاسمة مثل الأمن الإقليمى والتجارة والاتصال. ويعد الموقع الاستراتيجى الذى تتمتع به باكستان وجهودها لتحسين البنية الأساسية والاتصال من خلال مشاريع مثل الممر الاقتصادى بين الصين وباكستان، سببا فى تعزيز أهداف منظمة شنغهاى للتعاون فى التنمية والتكامل الإقليميين.
علاوة على ذلك، ساعدت المشاركة الدبلوماسية الباكستانية ضمن إطار منظمة شنغهاى للتعاون فى سد الفجوات بين الدول الأعضاء، وتعزيز روح التعاون والتفاهم المتبادل. ومن خلال الدعوة إلى الحل السلمى للصراعات ودعم مبادرات التنمية الاجتماعية والاقتصادية، تساهم باكستان فى رؤية منظمة شنغهاى للتعاون المتمثلة فى منطقة مستقرة ومزدهرة. بذلك، باكستان لا تعمل على تعزيز منظمة شنغهاى للتعاون فحسب، بل تعمل أيضًا على تعزيز مكانتها الجيوسياسية والاقتصادية فى المنطقة.
• • •
ختاما، نحن أمام فجر عصر جديد فى السياسة العالمية. ومن خلال تبنى «روح شنغهاى»، يمكن للدول الأعضاء العمل معًا لخلق مشهد سياسى عالمى أكثر إنصافًا واستقرارًا، من أجل مستقبل يتم فيه احترام وحماية حقوق ومصالح جميع الدول. ومع ذلك، الالتزام بالمثل العليا لمنظمة شنغهاى للتعاون لا يعنى بأى حال من الأحوال الابتعاد عن القوى العالمية الأخرى؛ بل يتطلب اتباع نهج متوازن فى العلاقات الدولية.
شيخ معظم خان
Eurasia Review
ترجمة: ياسمين عبداللطيف
النص الأصلى: