نشر موقع «Psyche» مقالا للكاتبة فونج لينه والكاتب موين سايد، يؤكدان فيه أن العلاقة العاطفية الناجحة لا تُبنى على تشابه الصفات وحدها، بل على التفاعل الحى بين الشريكين، وقدرتهما على المشاركة العاطفية والتطور معًا عبر الزمن.. نعرض من المقال ما يلى:
هل الطيور على أشكالها تقع؟ أم أن الأضداد تتجاذب؟ تزخر الحكمة الشعبية بالأقوال المأثورة حول دور الاختلافات والتشابهات فى العلاقات، ويمكن لأى شخص تقريبًا أن يستحضر أمثلة من حياته تؤيد أيًّا من هذين القولين. ربما تعرف زوجين يبدوان وكأنهما نصفان لشخص واحد: يكمل أحدهما جملة الآخر، يشتركان فى الهوايات نفسها، ويطلبان نفس الطبق فى المطاعم. وقد تعرف أيضًا زوجين عاشا معًا طويلًا رغم أنهما نقيضان تمامًا: هى قارئة هادئة، وهو نجم الحفلات؛ هو يستيقظ مع الفجر، وهى لا تنام قبل منتصف الليل. هنا يؤكد الكاتب والكاتبة على صعوبة الوصول إلى قانون شامل وجامع للجاذبية بين الأشخاص.
لكن ماذا يقول العلم عن هذا الأمر؟ أظهرت عقود من الأبحاث أن الشخصية تؤثر على كل جانب من جوانب حياة الناس تقريبًا، من كيفية التعامل مع التحديات اليومية والأهداف طويلة الأمد، إلى مدى قدرة الفرد على التواصل مع الآخرين. إذن تُظهر الدراسات أن بعض السمات الشخصية ــ مثل الاستقرار العاطفى والانضباط الذاتى ــ تؤثر بشكل أساسى فى مدى احتمالية نجاح العلاقات من عدمه.
تشير الأبحاث إلى أن الناس يميلون بالفعل إلى اختيار شركاء يشبهونهم فى بعض الجوانب، وهى ظاهرة تُعرف بـ«الانتقاء التزاوجى» (assortative mating). والمنطق وراء هذه الظاهرة يبدو بديهيًّا: فالتشابه يعزز الفهم، ويقلل النزاعات، ويقوّى الأهداف المشتركة، مما يجعل العلاقة أكثر انسجامًا واستقرارًا.
تؤكد الكاتبة فونج لينه والكاتب موين سايد، أن فهم دور التشابه فى نجاح العلاقات أعقد مما قد يبدو عليه، لأن الشخصية ليست أمرًا واحدًا بسيطًا. فعندما يدرس الباحثون الشخصية، فإنهم غالبًا ما يركزون على السمات: أنماط عامة ومستقرة نسبيًا من الاختلافات الفردية فى طريقة التفكير والشعور والتصرف. وتُعد «السمات الخمس الكبرى» (Big Five) تصنيفًا معروفًا لهذه السمات، وتشمل: الانفتاح، والانضباط، والانبساط، والقبول، والعصابية. (وبشكل تقريبى، تصف هذه السمات الميل العام للفرد نحو الفضول، والاجتهاد، والاجتماعية، والدفء، والقلق).
تُعد هذه السمات العامة مفيدة لفهم أنماط السلوك والنتائج الحياتية المختلفة، لكنها لا تقدم سوى تصور عام عن شخصية الإنسان. فكل سمة من هذه السمات الخمس الكبرى ما هى إلا حزمة من سمات أكثر تحديدًا. على سبيل المثال، السمة العامة «الانبساط» تتضمن سمات أكثر دقة مثل الحماسة، والاجتماعية، وحب السيطرة.
هناك طريقة أخرى لفهم الشخصية بعمق أكبر، وهى تجاوز السمات كليًا. فرغم أن السمات مفيدة فى وصف شخص ما، لكنها غير كافية فى وصف الشريك العاطفى أو الصديق المقرب، بل سيحتاج الفرد إلى معرفة أهداف الشريك واهتماماته وعاداته لرسم صورة كاملة عنه. ويُطلق على هذا المستوى من الشخصية اسم «التكيّفات المميزة»، وهو يعكس ما يكون عليه الناس فى سياق حياتهم الواقعية. وقد تكون هذه الجوانب من الشخصية ذات صلة بظاهرة «الانتقاء التزاوجى».
• • •
هل يميل الشركاء العاطفيون إلى امتلاك شخصيات متشابهة؟ وجدت معظم الدراسات حتى الآن درجة متوسطة من التشابه فى الشخصية بين الشركاء، مما يدعم فكرة «الطيور على أشكالها تقع». ومع ذلك، تقترح بعض الدراسات وجود تأثير للتكامل، حيث يميل الشركاء إلى الاختلاف، مما يدعم فكرة «الأضداد تتجاذب». ولمعرفة ما إذا كان الشركاء يميلون فعلًا إلى التشابه أم لا، اعتمد الكاتب والكاتبة فى بحثهم على تحليل كل مستوى من مستويات الشخصية، وكذلك تقييم الشخصية من أكثر من مصدر- أى ليس فقط من خلال التقييم الذاتى للفرد فى استبيانات الشخصية، بل أيضًا من خلال تقييم الشريك له.
بيّنت دراسات الكاتب والكاتبة أن الميل لاختيار شركاء متشابهين لا ينطبق على جميع جوانب الشخصية. فعلى سبيل المثال، أظهر التشابه فى سمة التقلب العاطفى ــ وهى أحد مكونات سمة العصابية ــ ارتباطًا سلبيًا بين الشريكين. ويبدو هذا منطقيًا من منظور «التوازن الوقائى»، إذ يؤدى اختلاف الشريكين فى هذه السمة إلى نوع من التوازن العاطفى؛ حيث يوفّر أحدهما قدرًا من الاستقرار حين يمر الآخر بنوبات تقلب مزاجى. أما إذا كان كلا الشريكين يعانى من تقلبات عاطفية حادة، فإن العلاقة قد تصبح ساحة للتوتر المزمن، مما يهدد استمراريتها على المدى البعيد.
ومن المثير للاهتمام أن الشركاء يميلون إلى إدراك شخصيات بعضهم البعض على أنها أكثر تشابهًا مما هى عليه فى الواقع (وفقًا لتقييم كل شخص لنفسه). وكان هذا الميل قويًّا ــ بشكل خاص ــ فيما يتعلق بالسمات العاطفية، سواء الإيجابية أو السلبية. ويُشير ذلك إلى أن شعور كثير من الناس بالتشابه فى العلاقة لا ينبع فقط من اختيار شريك يشبههم فى التفكير، بل أيضًا من الكيفية التى يرى بها كل شريك الآخر مع مرور الوقت.
• • •
الرؤية الحدسية تقول إن تشابه السمات الشخصية يجب أن يقوّى العلاقة الزوجية من خلال تعزيز التوافق وتقليل الاحتكاك. لكن الأبحاث تتحدى هذه الفرضية. فعلى سبيل المثال، إذا كنت شخصًا منبسطًا أو كان شريكك منبسطًا فقد يساهم ذلك فى رفع مستوى رضاك عن العلاقة. لكن هذا لا يعنى بالضرورة أن سبب سعادتكما هو تماثل مستويات الانبساط بينكما؛ فقد يكون لكل منكما تأثير إيجابى مستقل عن الآخر. فلم يظهر دليل ثابت ــ حتى الآن ــ على أن تشابه السمات الشخصية بحد ذاته يرتبط بزيادة رضا الشريكين عن علاقتهما، وفقا للكاتب والكاتبة.
ومع ذلك، لا يمكن الجزم بأن التشابه لا يحمل أى فوائد على الإطلاق. ونظرًا لأن جميع الأزواج الذين شملتهم الدراسات العلمية كانوا فى علاقات مستقرة بالفعل، وليسوا فى مرحلة الانجذاب الأولى، فقد يكون للتشابه فى الشخصية بعض الفوائد فى تجاوز المرحلة الأولى من العلاقة.
فى دراسة أخرى، قدّم أزواج يتمتعون بعلاقات مستقرة بيانات يومية حول «حالاتهم الشخصية» وحالات شركائهم، بمعدل خمس مرات فى اليوم ولمدة أسبوع كامل. وكشفت النتائج عن ملاحظة لافتة هى أن «التقلبات المتزامنة فى العواطف»، أى التغيرات المتناغمة فى المشاعر بين الشريكين فى الأوقات نفسها، ترتبط بمستويات رضا عن العلاقة أعلى من ارتباط هذا الرضا بالتشابه فى السمات الشخصية العامة. بمعنى أوضح، عندما يمر الشريكان بلحظات إيجابية مشتركة، كالفرح أو الحماسة، يميلان إلى الشعور برضا أكبر عن علاقتهما. هذه اللحظات العابرة ــ كالضحك معًا على نكتة عفوية أو الابتهاج بنجاح صغير ــ قد تحمل تأثيرًا يفوق أهمية السمات النفسية الثابتة مثل درجة الانفتاح أو الانضباط. باختصار شديد، المسألة ليست فى «من نحن»، بل فى «كيف نعيش اللحظة معًا ونتجاوب عاطفيًا فى مسار الحياة المشترك».
بوجه عام، تحمل نتائج الأبحاث قدرًا من الطمأنينة للأزواج الذين لا يرون تشابهًا كبيرًا فى شخصياتهم؛ إذ إن اختلاف السمات لا يعنى بالضرورة أن العلاقة مهددة أو غير ناجحة. الأهم من التشابه هو ما إذا كان الشريكان يتقاسمان لحظات عاطفية مشتركة، يدعم كل منهما أهداف الآخر، ويشكلان سندًا متبادلًا فى أوقات التحدى. أما الأزواج الذين يجمعهم قدر كبير من التشابه، فقد يكون ذلك عامل جذب أولى، لكنه لا يضمن وحده استمرارية السعادة. فالعنصر الأهم فى نجاح العلاقة لا يكمن فقط فى التشابه، بل فى جودة التفاعل العاطفى، والقدرة على التطور المشترك، والتفاهم العميق الذى يتجاوز مجرد التشابه السطحى.
ترجمة وتحرير: وفاء هانى عمر