«البديل المدنى»: ٢٠١٨ نموذجا - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:30 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«البديل المدنى»: ٢٠١٨ نموذجا

نشر فى : السبت 6 أغسطس 2016 - 9:25 م | آخر تحديث : السبت 6 أغسطس 2016 - 9:25 م
خلال الأسابيع القليلة الماضية، جرى الحديث عن بعض المبادرات «المدنية» لتجهيز مرشح أو مشروع سياسى عام للانتخابات الرئاسية المزمع عقدها بعد أقل من سنتين من الآن (يونيو ٢٠١٨). كانت ردود الفعل متباينة للإعلان عن هذه المبادرات سواء من قبل أجهزة الإعلام المحسوبة على النظام والتى ــ كالعادة ــ واصلت هجومها وتشويهها لأى بديل محتمل أو قائم، أو من داخل التيار المدنى نفسه والذى قابل بعض هذه الإعلانات بترحاب شديد أو ببعض الحذر أو حتى بامتعاض وتشكيك فى إمكانية نجاح البديل فى ظل الظروف السياسية الضاغطة التى تعيشها مصر الآن.

رغم تباين ردود الفعل إلا أنها أثبتت أن السياسية فى مصر لا يمكن أن تموت رغم كل محاولات تأميمها، فمع تعاظم الضغوط المعيشية على المصريين وتراجع التوقعات والطلب على النظام الحاكم فطبيعى أن يبحث الناس مرة أخرى عن البديل. ومن هنا فالإعلانات عن المبادرات سالفة الذكر جاءت لتحرك بعض الماء الراكد فى السياسة المصرية، ولكن هل يعنى هذا فى حد ذاته ضمان النجاح؟

حتى ينجح هذا البديل، فلابد من تحديد مجموعة من الشروط تبنى على خبرة السنوات التالية لثورة يناير. هذه الشروط فى تقديرى محورية لتحديد فرص النجاح أو الإخفاق، فعدم النجاح فى السياسة أمر وارد، لكن تكرار الإخفاقات بنفس الطريقة والأسلوب فى كل مرة أمر غير مقبول لأنه يعنى عدم التعلم من الأخطاء، والسياسى الذى لا يتعلم من أخطائه لا يكون مؤهلا ــ ويجب ألا يكون ــ لتحمل مسئولية قيادة الجماهير فى بلد لم يعد يحتمل المزيد من الفشل والفشلة أكثر من ذلك.

فيما يلى بعض شروط نجاح هذا البديل إن وجد:

أولا عن البديل: البديل ليس شخصا، ليس قائدا، فقد أثبتت هذه النظرية فشلها، الشخصيات التى تقوم بدور القيادة مطلوبة ومهمة ولا غنى عنها فى العمل السياسى، ولكنها ليست البديل، هى جزء من العمل السياسى، جزء من منظومة الإدارة والتأثير، لكن البديل هو المشروع السياسى الذى يشتبك مع قضايا مصر الملحة سياسيا وأمنيا واقتصاديا وإداريا. لا ليس المطلوب رئيسا! لكن المطلوب مؤسسة، مشروع، تشبيك قادر على إنتاج بدائل قابلة للتطبيق على الأرض بعيدا عن الشعارات والأحلام والنيات الطيبة، فالأشخاص مهما بلغت مواهبهم وقدراتهم محدودون!

ثانيا عن النجاح: يجب ألا يكون تعريف النجاح محدودا أو مقصورا على لحظة زمنية معينة يحتفل بعدها أو يبكى المتنافسون، فالسياسية سباق طويل لا يحسم بالنجاح أو الفشل فى انتخابات بعينها، الانتخابات الرئاسية فى ٢٠١٨ هى مجرد حلقة من سلسلة طويلة من المحطات التنافسية الحتمية بين المعارضة والنظام، ومن هنا فمقياس نجاح هذا البديل ليس فى الفوز فى انتخابات ٢٠١٨، ولكن فى تقديم نموذج مؤسسى وتنظيمى أقوى وأقدر على إيجاد مساحة أوسع للتعبير والعمل السياسى، وكذلك على اجتذاب مساحة أكبر من الجماهير.

ثالثا عن المسئولية السياسية: آفة العمل السياسى فى مصر هو أنه لا أحد يريد تحمل المسئولية السياسية عن أفعاله وتصريحاته ومواقفه السياسية؛ غالبية النخب السياسية تريد بدايات جديدة دون تسديد الفواتير القديمة! الحقيقة التى يجب الاعتراف بها أن هذا الكلام لا ينطبق فقط على السلطة الحاكمة فى مصر الآن ولكنه وبالقدر نفسه ينطبق على المعارضة! كم مسئولا سياسيا معارضا أو ثوريا أو مدنيا ــ على عمومية الكلمة ــ أعلن صراحة تحمله المسئولية السياسية عن سياساته وتصرفاته منذ ثورة يناير وحتى الآن؟ كم سياسيا أخذ منصبا أو موقعا بعد يناير أو يونيو أعلن للناس بالتفصيل جملة أخطائه واستعداده لتحمل المسئولية السياسية بل والجنائية أمام ضحاياه؟! ليس المقصود هنا هو جلسات إعلان التوبة والاعتراف التى يمارسها البعض ليكسب بعض التعاطف المجانى من الجماهير ليتبارى الجميع بين قابل أو رافض للتوبة! لكن المطلوب هو التخلى عن نموذج الراكب المجانى وسياسة إعادة تدوير النخب التى يتبعها البعض، المطلوب هو تحمل حقيقى للمسئولية أمام الناس، اعلان للأخطاء وخطة معلنة لجبر الضرر الذى وقع على الضحايا، الذى لم يسدد فواتير الماضى بعد أو حتى أعلن استعداده لذلك ويعتقد أنه يمكنه أن يكون بديلا واهما، وإن صدق نفسه وشجعه الآخرون على ذلك فالإخفاق سيكون مصيرا حتميا للجميع.

***

رابعا عن المصالحة: كالعادة سيكون الملف المطروح بقوة هو ملف «المصالحة» وكالعادة سيختلط الحابل بالنابل، سيتلعثم البعض، وسيرضخ البعض الآخر، وسيتهرب البعض الثالث. والحقيقة أن أحد أهم معايير نجاح هذا البديل هو التعامل بشفافية ووضوح مع هذا الملف لحساسيته البالغة! والبداية هنا هو فى التفرقة بين «المصالحة» و«الصفقة» و«الدمج»، الصفقات السياسية مع أى فصيل سياسى أو دينى مرفوضة، فسياسة الصفقات ستولد فاشلة، وتاريخ صفقات مصر السياسية منذ ١٩٥٣ ملىء بالمناورات والخداع الذى ينتهى بفشل سريع يدفع الشعب وحده فيه الثمن. المطلوب هو المصالحة مع القانون والدستور أولا، يليه عملية دمج سياسى ثانيا. المصالحة مع الدستور والقانون لا مع هذا الفصيل أو ذاك هو ما تحتاجه مصر، هو البداية لتحقيق قواعد العدالة التى يمكن أن نبنى عليها نموذجا سياسيا ناجحا. احترام حقوق المواطنة، الدفاع عن حقوق الإنسان، رفض عمليات القتل والتصفية خارج إطار القانون، رفض تحويل الحبس الاحتياطى إلى عقوبة ووسيلة للانتقام، تحسين ظروف المساجين الجنائيين والسياسيين مع العمل على إغلاق ملف الحبس لتصفية حسابات شخصية أو سياسية هو المطلوب وليست أى مصالحة تتحول لصفقة مع أى فصيل سياسى أو دينى أو دعوى آخر. ثم يأتى بعد ذلك «الدمج» ليعنى أن أى مواطن مصرى غير متورط فى أى عمليات إرهابية، مؤمن بالدولة القومية المصرية بحدودها المعروفة ويقبل بسيادة الدستور والقانون على أراضيها وشعبها وبحماية استقلال ووحدة أراضيها ومؤسساتها، له كل الحقوق وعليه نفس الواجبات بغض النظر عن انتمائه الفكرى أو دينه أو شكله أو طبقته. أى حزب سياسى يحترم كل القواعد السابقة ويفصل كيانه وميزانيته عن أى أعمال دعوية أو تبشيرية يجب أن يسمح له بممارسة العمل السياسى بكل حرية.

خامسا عن الفردية والمأسسة: البديل لابد أن يكون مؤسسيا، خاضعا لقواعد تأسيسية للحوكمة سواء داخل أو خارج الأطر المنظمة لأى مشروع يطرح نفسه كبديل. التصرفات الفردية والإعلانات المنفردة التى تنخدع بالأضواء الإعلامية والحسابات الإحصائية لمواقع التواصل الاجتماعى المختلفة لا تصلح أن تكون بديلا لأنها ببساطة تقوم على حسابات سطحية لم تتعلم من الأخطاء المتكررة! التصرف بطريقة رد الفعل لا الفعل، بأجندة الإعلام لا المؤسسة، الميل لتفضيل العلاقات الشخصية على قواعد العمل، تعنى أننا ندور فى حلقات مفرغة ونصر على السذاجة والسطحية فى العمل السياسى، وكلها أمور تدفع للإخفاق لا للنجاح!

سادسا عن الداخل والخارج: كذلك فإن اعتبارات الداخل والخارج لابد أن تكون شفافة وواضحة ومحددة بدقة! أى مشروع بديل لابد أن يكون «مصريا»، بمعنى أنه بعقول مصرية وبأجندة مصرية ولصالح حسابات مصرية خالصة لا يدخل فيها أى حسابات أو اعتبارات لأى أطراف إقليمية أو دولية أخرى، شخصيات، منظمات كانت أو دول. لا علاقة لهذا الاعتبار بتخوين أى طرف، أو الترويج لأى نعرة قومية لجذب الجماهير، ولا حتى الاستجابة لابتزازات محفوظة لمجموعة من السلطويين هنا أو هناك، ولكنه معيار محدد لأطر العمل وحسابات الفاعلين السياسيين والنقاط المطروحة أو التى ستطرح لاحقا! أى بديل حالى أو مستقبلى هو بديل مصرى وأى حسابات مغايرة لذلك محكوم عليها بالإخفاق.

***

سابعا عن مؤسسات الدولة: كذلك فإن نجاح البديل محدد بالمعادلة التى سيتبعها المشروع المنبثق عنه مع مؤسسات الدولة، وهى فى تقديرى معادلة ذات أربعة «محددات»، المحدد الأول «الإصلاح»، فلابد أن يكون المشروع المطروح إصلاحيا لا تجميليا، قادرا على التعامل مع المشكلات الهيكلية لهذه المؤسسات واتخاذ السياسات اللازمة لإصلاحها فى إطار الدستور والقانون، المحدد الثانى «الاستقلالية»، أى أن أى مشروع لابد أن يحقق الاستقلالية لمؤسسات الدولة، وخصوصا العسكرية والشرطية منها، والمقصود بتلك الاستقلالية أن تتمتع تلك المؤسسات بحرية تحديد قواعد عملها ولوائحها الداخلية فى حدود ما يسمح به الدستور والقانون، ثم يأتى المحدد الثالث وهو «الوحدة» أى أن أى مشروع اصلاحى لابد أن يحافظ على وحدة هذه المؤسسات، وهو ما يعنى عدم إدخالها فى أى تحزبات بحيث تتصرف المؤسسة لصالح هذا الحزب أو ذاك، فوحدة مؤسسات الدولة يجب أن تبقى أيضا أولوية، وأخيرا يأتى المحدد الأخير والمتمثل فى «احترافية» مؤسسات الدولة، وهو ما يعنى دعمها دستورا وقانونا بحيث تكون قادرة على القيام بوظائفها دون الانشغال بأى مهام أخرى قد تؤثر على قيامها بالأدوار المنوطة بها.

ثامنا عن الشفافية والثقة: وأخيرا فأى بديل لابد أن يتمتع بدرجة عالية من الثقة بين أعضائه، وهذه الثقة ستأتى أولا من الالتزام بالمأسسة على حساب مجموعة المراهقين أصحاب العمل الفردى والمغامرات غير المحسوبة والاندفاعات الوقتية التى ما ستلبث وأن تحترق سريعا، وكذلك من الشفافية فى العمل، فاستراتيجيات الغموض باعتبارها مصدرا للقوة أو السلطة لها ثمن فادح وهو انتشار الشائعات والتخوين بين أعضاء الفريق فى جلسات النميمة السياسية المعتادة فى مجتمعاتنا، أى عمل غير مؤسسى وشفاف هو عمل غير محترف ومرشح للإخفاق أكتر من الفشل.

مصر كبيرة وعميقة ومتغيرة باستمرار، صحيح أن التغيير فيها ليس سهلا ولكنه فى نفس الوقت حتميا، لابد أن تكون وجهتنا جميعا مصلحة الوطن، أى مصلحة شعبه وأرضه ومؤسساته وقواعده الدستورية والقانونية، والمهمة الأولى أن نمنع انهيار هذا الوطن أولا وأن نقف ضد محاولات البعض إخراجه من التاريخ ثانيا، فهل نستطيع؟
أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر