‎ليست قضية إنسانية - سمير عمر - بوابة الشروق
الإثنين 4 أغسطس 2025 12:58 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

‎ليست قضية إنسانية

نشر فى : الأحد 3 أغسطس 2025 - 8:10 م | آخر تحديث : الأحد 3 أغسطس 2025 - 8:10 م

‎فى الخميس الماضى، طالب وزير الخارجية الفرنسى، جان نويل بارو، بوقف أنشطة «مؤسسة غزة الإنسانية»، وقال: إن التوزيع المسلح للمساعدات الإنسانية، الذى تسبب فى إراقة الدماء بمراكز التوزيع فى غزة، فضيحة وأمر مخزٍ، ويجب أن يتوقف.

‎فى ذات اليوم، قال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب: ما يحدث فى غزة مروّع، الناس يعانون من جوع شديد. ثم أفاض ترامب فى الحديث عن المساعدات المالية التى تقدمها واشنطن من أجل التعامل مع أزمة الجوع فى غزة.

‎فى اليوم التالى، أى يوم الجمعة الماضى، زار المبعوث الأمريكى ستيف ويتكوف، رفقة السفير الأمريكى فى إسرائيل مايك هاكابى، مركز توزيع المساعدات فى جنوبى قطاع غزة، حيث أمضى خمس ساعات داخل القطاع وسط حراسة أمنية مشددة.

‎ويتكوف قال عن زيارته قطاع غزة: الهدف من زيارة غزة هو منح الرئيس ترامب تفصيلًا شاملًا عن الوضع الإنسانى، والمساعدة فى صياغة خطة لتوصيل الغذاء والمساعدات الطبية إلى شعب غزة. ثم أضاف: اليوم قضينا خمس ساعات داخل غزة لوضع الأساس للحقائق على الأرض، وتقييم الظروف، والاجتماع مع «مؤسسة غزة الإنسانية» ووكالات أخرى.

‎لكن لماذا هذا الإصرار الأمريكى على استمرار عمل «مؤسسة غزة الإنسانية» داخل القطاع، على الرغم من الكوارث التى ترتبت على عملها هناك؟ ولماذا الإصرار الإسرائيلى الأمريكى المشترك على استبعاد «المؤسسات غير المنحازة»، فى حين ينص القانون الدولى الإنسانى على أن مسئولية القوة القائمة بالاحتلال هى توفير الاحتياجات الإنسانية لسكان المناطق المحتلة عن طريق تلك المؤسسات غير المنحازة، مثل الجهات التابعة للأمم المتحدة أو الصليب الأحمر، على سبيل المثال؟

‎الحكاية بدأت فى مطلع مايو الماضى، عندما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن إعداد نظام جديد لتقديم المساعدات لسكان قطاع غزة عبر شركات خاصة، ثم كان الإعلان عن «مؤسسة غزة الإنسانية»، التى كانت حتى ذلك الوقت لا تملك موقعًا رسميًا على شبكة الإنترنت. غير أنها، وفقًا لفريق «بى بى سى» لتقصى الحقائق، تأسست فى سويسرا فى 11 فبراير 2025 كمؤسسة غير ربحية، مجال عملها فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، كما أنها مسجّلة فى الولايات المتحدة، وبالتحديد فى ولاية ديلاوير، وفقًا لذات المصدر.

‎لكن الغريب والمثير للأسئلة أن أول مدير تنفيذى للمؤسسة، جيك وود، أعلن بعد أقل من شهر استقالته من موقعه، حيث أوضح فى بيان رسمى: «عدم إمكانية تنفيذ خطة لتوزيع المساعدات على سكان قطاع غزة، مع الالتزام الصارم بمبادئ الإنسانية، والحياد، والنزاهة، والاستقلال».

‎لم يوضح جيك وود ما هى العوائق التى تحول دون توزيع المساعدات مع الالتزام بتلك المبادئ، لكن الأمر ليس بحاجة لتوضيح؛ فما كشفته الأيام بعد استقالته كان كفيلًا بالرد وكشف الأسباب.

‎وهو ما أكدته الأمم المتحدة حين رفضت التعاون مع المؤسسة، التى اعتبرتها تتعارض مع المبادئ الإنسانية وتستخدم المساعدات كسلاح. وقال متحدث باسم الأمم المتحدة: إن عمليات «مؤسسة غزة الإنسانية» تشتّت الانتباه عما هو مطلوب فعليًا. وأصرت الأمم المتحدة وغيرها من الوكالات الإغاثية على عدم التعاون مع «مؤسسة غزة الإنسانية»، التى تعتمد نظامًا لتقديم المساعدات سيجبر الناس على مزيد من النزوح، ويعرّض آلاف الأشخاص للأذى، وسيجعل تقديم المساعدات مشروطًا بأهداف سياسية وعسكرية، وسيشكّل سابقة غير مقبولة فى مجال إيصال المساعدات.

‎الأمر إذًا واضح وضوح الشمس ولا يحتمل مزيدًا من اللف والدوران. المطلوب هو فتح جميع المعابر، ودخول المساعدات، مع الالتزام بنصوص القانون الدولى، التى تحمّل القوة القائمة بالاحتلال مسئولية توفير الاحتياجات الأساسية لسكان المناطق الواقعة تحت سيطرتها عن طريق المؤسسات غير المنحازة، و«مؤسسة غزة الإنسانية» منحازة، بل هى أداة فى يد الاحتلال، تستخدم المساعدات الإنسانية كسلاح ضد سكان القطاع.

‎غير أن حشر الجميع فى زاوية «دخول المساعدات» وتحويل مسار القضية الفلسطينية إلى قضية إنسانية، أمر فى غاية الخطورة. فالمطلوب هو: وقف العدوان الإسرائيلى، وانسحاب قوات الاحتلال، ودخول المساعدات، وإعادة الإعمار، ووقف الجرائم الإسرائيلية فى الضفة الغربية، والتصدى لمحاولات تهويد القدس، وتجريم الاستيطان ومنعه، والتقدم على طريق التسوية السياسية العادلة القائمة على حق الفلسطينيين فى دولتهم المستقلة.

 

سمير عمر كاتب صحفي يمتلك خبرة تمتد لنحو ثلاثة عقود في مجال الصحافة والإعلام
التعليقات