أفخر أننى أحد القلائل الذين ناصبوا العداء لقائمة أحسن مائة فيلم مصرى التى صدرت عام 1996 بمناسبة مئوية السينما، وذلك لأننى أعرف أن بعض هذه الأفلام اختارها النقاد لصالح شركات الإنتاج التى كانوا يعملون بها مستشارين، وقد اندهشت من اختيار فيلم «خلى بالك من زوزو» لحسن الإمام كواحد من الأفلام الأعظم فى تاريخ السينما، هو بالفعل واحد من الأفلام الأكثر إيرادًا فى تاريخ السينما، ولكنه لا يصلح أن يكون من أفضل الأفلام، وقد تم اختياره كى يمثل مخرجه الذى انتقده السينمائيون، وهو المخرج الذى أرخ للقرن العشرين من خلال الراقصات الشهيرات وبطلات شارع محمد على. وأذكر هذا الأمر بمناسبة الكتابة عن فيلم «لن أبكى أبدًا» عام 1957 بطولة فاتن حمامة وعماد حمدى وزكى رستم، والفيلم اقتبسه محمد مصطفى سامى دون أن يذكر المصدر الأصلى، وقعت دومًا فى أسر هذا الفيلم منذ طفولتى، وأحببت المعنى الكامن فى العنوان، وبودى لو قرأت النص الأدبى الفرنسى، فالعنوان يعنى أن الفتاة هدى قد واجهت دومًا الكثير من الصعاب التى يمكنها أن تكسر الظهر المتين، لكنها بقيت قوية تحقق ما تريد، وهى ابنة الرأسمالى الطاغية الذى يعامل الآخرين بقسوة شديدة، ويعيش مع ابنته الوحيدة هدى، ويبدو أمامها شخص مغاير، وقد ورثت هدى عنه قوى الشخصية والإصرار على النجاح والخروج من الأزمات، فالفتاة خرجت بسيارتها إلى شوارع المدينة رغم أنها لم تكمل تعلم القيادة، وتقع فى غرام المهندس الزراعى الذى صدمته ثم ترتبط به، أما الأب فإنه أقرب إلى مواليد برج الأسد، مقتنع بما يتخذه من قرارات، وهو الذى اشترى مائة فدان ذات يوم وتسبب فى مصرع أحد الفلاحين، وترك الأرض تبور كى يتفرغ لأعماله الاقتصادية فى المدينة، لكنه من خلال أفكاره العنيدة يخسر كل أملاكه، ويناصر ابنته أن تترك خطيبها بسبب سوء تفاهم ولا يجد أمامه سوى العودة إلى مسقط رأسه كى يعيش أيامه الأخيرة مع ابنته، هدى التى لا تعرف الاعتذار ولا التراجع، هى صاحبة قرار استصلاح تلك الأرض البور، والوقوف ضد كل الصعاب التى تمثلها الأسرة المنافسة التى تقف ضد إصلاح الأرض.
فى هذا الفيلم كانت هدى هى الأسبق فى هذا السلوك من زوزو، أن تبدو عنيدة وصلدة كى تزرع الأرض، لم ترقص، لكنها وافقت على الاستعانة بخطيبها السابق كى يقوم بإصلاح الأرض، ومن أجل تحقيق الأمر، قامت بأعمال الزراعة بنفسها، تحمل الفأس، وتبذر الأرض، وتدوس بساقيها فى الطين، وتتفق مع أحمد على بنود العمل، دون أن تكشف الغطاء عن عواطفها القديمة، كل ما تريده هو أن تحقق ما تريد، فأبوها رجل عجوز وهى لا تستطيع مجابهة العائلة المنافسة وحدها، خاصة أن هناك ثأرا ودماء قديمة، وأيضا حب ضائع، وأرض غير قابلة للاستصلاح، ولكنها الإرادة، بما يعنى أن هدى هى نموذج للمرأة المصرية التى كان المجتمع ينشدها فى سنوات الخمسينيات، تتجه إلى الزراعة، وتتصرف بجدية فى كل حياتها، وتشارك أحمد فى قراراته حين يذهب لإحضار عمال مؤقتين من العائلات المجاورة، كما أنها تقوم بإنقاذ ابنة أحد المنافسين من خطر الموت، تأتى التحية لحسن الإمام مؤرخ سينما الراقصات والعاهرات فى أنه قدم فيلما جادا يبدو نشازا، لا توجد فيه أى ملامح للميلودراما التى اعتدنا أن نراها فى أفلامه، وهكذا أعطى لفاتن حمامة دورا متميزا للبنت المصرية البناءة التى تتجاوز الصعاب، وبعد أن تعود الخضرة إلى الأرض الجدباء، فإن السيدة أسما تتمكن من حرق المحصول بواسطة رجالها، لكن يتعامل الفيلم مع الحدث بدون عنف، وباستخدام لغة الحوار، وفى اليوم التالى تمنح هدى للمهندس ما يستحق من نصف المبلغ دون أى مراجعة منها، لكنها تعرف من خلال وصيفتها حقيقة مؤامرة دبرت فيما قبل ضدها وضد خطيبها، فتذهب إليه عبر الطريق الزراعى لمصالحته وبدء حياة جديدة.
هذا الفيلم لا يحتاج مقالا لإنصافه بقدر ما يحتاج إلى إعادة رؤية.