خريطة واشنطن المتغيرة ومصالحة الخليج - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:38 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خريطة واشنطن المتغيرة ومصالحة الخليج

نشر فى : الخميس 7 يناير 2021 - 8:45 م | آخر تحديث : الخميس 7 يناير 2021 - 10:39 م

قبل ثلاث سنوات ونصف تفاجأ العالم بأزمة خليجية غير مسبوقة فى حدتها وخطواتها وتبعاتها. وكانت واشنطن، التى وصل بيتها الأبيض رئيس أمريكى جديد اسمه دونالد ترامب، فى قلب الأزمة حتى من قبل بدايتها الرسمية. كان الرئيس ترامب جديدا على المشهد السياسى الأمريكى، لم يكن يعرف دهاليز ومناورات وطبيعة العاصمة.
ودفع موقف ترامب لتعقيد الأزمة فى أيامها الأولى قبل أن يعدل من بوصلته ليستفيد وتستفيد الولايات المتحدة من الأزمة بكل السبل الممكنة.
وقبل أيام بدأت خطوات بناء الثقة بين أطراف الأزمة بعدما اجتمعوا كلهم، وعلى مستوى رسمى مقبول فى قمة العلا بشمال غرب المملكة السعودية.
وكما كانت واشنطن حاضرة فى بداية الأزمة ومساهمة فى خلقها، تواجدت واشنطن وبقوة فى بداية فصول إنهاء الأزمة، فقد تواجد وفد أمريكى رفيع ضم بين أعضائه جاريد كوشنر، كبير مستشارى الرئيس ترامب وصهره، إضافة لوزير الخزانة ستيفن مينوشين، فى قمة العلا.
***
لواشنطن نفوذ غير مسبوقة فى الخليج، ويكفى أن بعض النخب الخليجية الجديدة تتحدث اللكنة الأمريكية أفضل من لغتها الأم العربية، ويكفى أن أغلب وأهم جامعاتها أصبحت أمريكية، ناهيك عن المظلة الأمنية العسكرية فى قلب علاقتهم. من هنا لا يكون من مصلحة واشنطن الانحياز لطرف على آخر.
وخلال أيام الأزمة الأولى بدا واضحا أن محددات موقف واشنطن تتلخص فى نقطتين أساسيتين، أولاهما: ألا يتم اتخاذ أى خطوات عسكرية من أطراف الأزمة، وثانيهما: ألا تؤثر أى من إجراءات الحصار وغلق المجال الجوى على حرية حركة الطائرات العسكرية الأمريكية المنطلقة من قاعدة العديد القطرية سواء فى عملياتها المتجهة نحو سوريا أو العراق أو أفغانستان، وبدا واضحا أن الرسالة الأمريكية وصلت بوضوح لكل أطراف الأزمة.
ولفهم موقف واشنطن من الناحية الاستراتيجية بصفة عامة ربما كان علينا العودة لعقود طويلة، فقد كان اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979 دافعا لبدء تعامل واشنطن مع دول الخليج الست كوحدة واحدة عندما يتعلق الأمر بالمصالح الأمنية لها فى المنطقة. ودفعت التطورات الأمنية فى المنطقة لتعضد واشنطن، وبعيدا عن هوية ساكن البيت الأبيض، من شراكتها الاستراتيجية مع كل دول الخليج العربية. ودوما ما أكدت واشنطن واستخدمت مصطلح «أمن منطقة الخليج» دون تمييز بين دوله الست التى تصنفهم دوائر الحكم والفكر هنا كدول سنية. نعم، لواشنطن تواجد عسكرى مستقل فى كل دوله، وكذلك تتفاوت أعدد القوات الأمريكية فيها، إلا أن المخططين الاستراتيجيين هنا يرون الجانب العربى من الخليج كمنطقة متناسقة تتفرد فيها واشنطن بنفوذ طاغٍ، ولا تتخيل واشنطن أن تعرقل أو تهدد خلافات الدول الخليجية مصالح واشنطن الاستراتيجية هناك. وعمليا أصبحت واشنطن العاصمة الأهم لكل الدول الخليجية، وظهر ذلك بوضوح فى أحداث مصيرية، فقد قادت واشنطن تحرير الكويت بعد غزو العراق لها عام 1990. كذلك اختارت الرياض واشنطن كى تعلن بدء هجمات تحالفها العربى فى حرب اليمن فى مارس 2015 حين خرج سفيرها من واشنطن حينذاك عادل الجبير ليعلن للعالم بدء المعارك، ولم يخرج الإعلان من الرياض.
***
عقب اندلاع الأزمة قصد وزراء خارجية دول النزاع الخليجى الثلاث الرئيسية (السعودية والإمارات وقطر) واشنطن ساعين للتأثير فيها والترويج لموقف دولهم من الأزمة، ثم تحرك وزير الخارجية الأمريكية مكوكيا بين الكويت وأطراف الأزمة. إلا أنه وطبقا لشهادة سفيرة واشنطن السابقة لدى الأمم المتحدة نيكى هيلى، مثلت الأزمة فرصة لواشنطن للحصول من أطراف النزاع على المزيد مما تريد.
***
ولا يعرف يقينا دوافع إدارة الرئيس المنتهية ولايته لدفع الأطراف لمائدة الحوار والمصالحة، لكن المؤكد أن التوقيت وتطورات الأحداث فى واشنطن كانت الدافع الذى دفع أطراف النزاع لإعادة النظر فى مواقفهم.
خلال حملته الانتخابية، تطرق الرئيس المنتخب جو بايدن عدة مرات لدول الخليج وتعهد بالنظر المدقق فى علاقات بلاده بها خاصة بعدما شهدت تقاربا غير طبيعى بالمعايير الأمريكية فى عهد رئاسة دونالد ترامب. وتقليديا لا تترجم كلمات الخطابات الانتخابية إلى سياسات على أرض الواقع، لكن قد يختلف الأمر هذه المرة نظرا لحجم التقارب غير الصحى الذى جمع بين بعض قادة دول خليجية بترامب وعائلته. كما يمثل تنامى قوة التيار اليسارى داخل الحزب الديمقراطى وسيطرة الحزب على مجلسى الكونجرس، عنصرا إضافيا لدفع واشنطن لتبنى سياسة أكثر حزما تجاه قضايا حقوق الإنسان واعتقال النشطاء.
تعتقد دوائر صنع القرار داخل واشنطن أن «شخصنة العلاقات» بينها وبين عواصم الخليج لا يخدم مصالحها على المدى الطويل. قد تخدم تلك العلاقات مصالح قصيرة المدى ترتبط بهوية الرئيس أو كبار مساعديه أو أفراد عائلته، وربما يسهم شخصنة العلاقات فى جنى بعض المكاسب المادية هنا أو هناك.
يعرف بايدن دول الخليج جيدا من خلال عمله نائبا للرئيس السابق باراك أوباما. وسيغير بايدن وفريقه بوصلة السياسة الأمريكية تجاه طهران، ويعيد العمل (بصورة معدلة) للاتفاق النووى مع إيران. ويسبب ذلك كله أسبابا إضافية ضغطت على عواصم خليجية للإسراع بعقد مصالحة تقوى من موقفهم وصورتهم أمام إدارة ورئيس أمريكيين جديدين لم يرغبوا فى وصولهما للحكم فى واشنطن.
كاتب صحفى متخصص فى الشئون الأمريكية ــ يكتب من واشنطن.

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات