إشكالية خليجية كبرى مهملة - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:57 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إشكالية خليجية كبرى مهملة

نشر فى : الأربعاء 7 فبراير 2024 - 7:50 م | آخر تحديث : الأربعاء 7 فبراير 2024 - 7:50 م

لا يستطيع الإنسان أن يفك لغز ظاهرة تتكرر فى طول وعرض الوطن العربى وتتمثل فى مواجهة نفس المشكلات، عبر السنين والأجيال، بنفس الأساليب والعقلية وبإرادة تتراجع بدلا من أن تقوى وتتحسن. ينطبق الأمر على المشكلات الكبرى المعقدة مثلما ينطبق على المشكلات الأصغر.
سأختار مشكلة التركيبة السكانية فى دول مجلس التعاون كمثل. فمنذ حصول دول مجلس التعاون على استقلالها الوطنى منذ أكثر من نصف قرن والكتابات والمؤتمرات تكتب وتطرح من قبل الكتاب المحللين ومن بعض مؤسسات المجتمع المدنى، منبهة إلى تعاظم مخاطر مشكلة التركيبة السكانية فى جميع دول المجلس، ومقترحة حلولا معقولة تراكمية، لكن المواقف الرسمية فى هذه الدول تظل كما هى دون أى تغيير: مواجهة وتخطيطا وبدائل.
ولتوضيح هذا الأمر أكثر دعنى أشير إلى محاضرة ألقيتها منذ نحو خمسة عشر سنة بشأن إشكالية التركيبة السكانية. لقد بينت بوضوح وهلع إلى أن سكان دول مجلس التعاون فى عام 1975 كان سبعة ملايين ونصف المليون نسمة وأن عدد الأشخاص الوافدين آنذاك كان نحو مليونين، وبالتالى فإن ذلك يجعل نسبة الوافدين آنذاك من مجموع السكان نحو ثلاثين فى المائة.
لكن تلك الأعداد والنسب تغيرت بصورة هائلة بحلول سنة 2008، سنة المحاضرة، أى بعد مرور ثلث قرن. لقد اقترب العدد الإجمالى للمواطنين والمواطنات فى دول المجلس من الثلاثة وعشرين مليونا، بينما وصل عدد الوافدين إلى نحو ستة عشر مليونا، لتصبح نسبة الوافدين من مجموع السكان فى الدول الست نحو سبعين فى المائة.
أشرت إلى فادحة نوع العمالة الوافدة عندما استعنت بدراسة قام بها الأخ عمر الشهابى الذى بين أن النسبة المئوية للعرب فى مجموع الأيدى العاملة الوافدة تناقصت من 72% فى عام 1975 لتصبح فى سنة 2004 اثنين وثلاثين فى المائة فقط، أى تناقصت بمقدار النصف. ونبهت، مثلما نبه غيرى، إلى أنه «لا يحتاج الإنسان لحاسوب ليدرك حجم الفاجعة فى التركيبة السكانية التى ستواجهها دول المجلس بعد ثلث قرن لو أن نسب الزيادات فى أعداد الوافدين غير العرب ونسب التراجع فى أعداد الوافدين العرب استمرت بهذه الوتيرة».
الآن نحن نقترب من قمة تلك الوتيرة كما سنرى.
منذ فترة، بين الدكتور حسين غباش أن هناك 16 مليون آسيوى فى بلدان مجلس التعاون، وأنه من المرشح أن يصل إلى 30 مليونا فى عام 2025، أى بعد سنة أو سنتين من الآن. وأشار إلى أن هناك سبعة ملايين آسيوى فى الإمارات وحدها، يشكل الهنود منهم 60% من مجموع السكان. ويكاد الأمر فى قطر أن يكون مماثلا للإمارات. وبالرغم من أن النسب فى بقية دول المجلس أقل من ذلك إلا أنها تبين زيادات كبيرة مرشحة إلى أن تتضاعف فى السنين القادمة وبالتالى فإن الظاهرة واحدة. وخرج غباش بنتيجة إلى أن الوجود الأجنبى، وغالبيته الساحقة من غير العرب، ينخر فى الجسم العربى الخليجى. ومثل غيره أشار إلى المخاطر الكثيرة القادمة وإلى قلة تفعيل الحلول لمواجهة تلك المخاطر.
دعنا هنا نشير إلى أربعة مخاطر مقلقة يكثر الحديث عنها.
هناك الاقتراب التدريجى المقبل من أن المجتمع الدولى بدأ يطالب بحق القوى العاملة المهاجرة فى التوطين والمواطنة بما فيه حقهم فى الإتيان بعائلاتهم ليسكنوا معهم. وأنه سيتبع ذلك قرار دولى بحق هؤلاء فى التصويت فى الانتخابات البلدية والنيابية وفى حق التمثيل النسبى فى بعض سلطات الحكم التنفيذية.
هناك الصعود الكبير لبعض الأفراد والمؤسسات الأجنبية غير العربية فى تقلد المناصب الكبرى فى الشركات والبنوك وشتى مؤسسات القطاع الخاص الحيوية. وشيئا فشيئا ستكون لبعض هؤلاء الكلمة الفاصلة فى شئون الاقتصاد والمال وبالتالى فى شئون مصير واستعمالات ثروات البترول الهائلة.
هناك الأخطار الثقافية الهائلة، ومن ضمنها على الأخص التراجع والتهميش لوجود استعمالات اللغة العربية فى كثير من المجالات، والتى ستهدد مستقبلا الهوية العروبية، بل وحتى الإسلامية، فى مجتمعات دول المجلس. ويتكلم البعض عن مأساة خليجية مماثلة للمأساة الفلسطينية والعديد من مآسى ضياع أجزاء من الوطن العربى فى المستقبل. ولن يعدم الكيان الصهيونى والقوى الاستعمارية إيجاد الأسباب الكاذبة لخلق كيانات استئصالية مماثلة للكيان الصهيونى فى الخليج العربى.
هناك سياسة تجنيس كل أنواع الأجانب غير العرب المتسارعة فى معظم دول المجلس بينما تتراجع نسب العمالة العربية من شتى أقطار الوطن العربى كما بيننا سابقا والذى يصب فى تقوية وإنجاح كل المخاوف التى ذكرنا.
نعود من جديد إلى النقطة الأساسية وهى الغياب شبه التام لخطة استراتيجية متناغمة من قبل مؤسسة مجلس التعاون الخليجى لمواجهة هذه الإشكالية. وعلى سبيل المثال فقد اقترح وزراء العمل فى أقطار الخليج بعض الحلول وقدموها لأحد مؤتمرات القمة الخليجية، لكن الانشغال بالصراعات والضعف والوهن الذى أصاب مجلس التعاون أخيرا لأسباب يعرفها الجميع قد قادت إلى تأجيل بعد تأجيل لهذا الموضوع مما ينذر بمخاطر كثيرة.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات