مساءات بكوابيس واقعية جدا! - خولة مطر - بوابة الشروق
الإثنين 23 ديسمبر 2024 4:22 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مساءات بكوابيس واقعية جدا!

نشر فى : الأحد 7 يوليه 2024 - 6:10 م | آخر تحديث : الأحد 7 يوليه 2024 - 6:10 م

يسقط المساء كما كل النهايات للأيام، أحيانا بتعب وأحيانا أخرى بالرحيل إلى مكان آخر لا يشبه النهار أو يخفف من حمله، وكثيرا ما تنتهى الأيام مؤخرا كما بدأت بمشاهدات أكثر عن مزيد من الإبادة والعالم أو بعضه يكتفى بالفرجة وبعض الحسرة أو الحزن ثم العودة للروتين اليومى، وتتدحرج الأسئلة وكلها لا تبعد عن أن تكون جزءا من تلك الثقافة، مثل «ما نأكل هذا المساء؟» أو «أين نسهر هذا المساء؟» أو ربما لأولئك الذين ما زال لديهم «بعض» إحساس أو ضمير «ما هى آخر أخبار الحرب؟».

•  •  •

المساءات فى الصيف كانت قبل كل «التطور» و «التمدن» والمقاهى والمطاعم والملاهى الليلية أو ما يشبهها، كانت بسيطة جدا مثل عشاء بسيط ثم مشاهدة فيلم رومانسى هادئ يساعد على النوم بأحلام سعيدة أو يأخذ الفرد منا إلى سماوات فى بحور لازوردية وحدائق خضراء كأوراق الربيع.. مساءات كانت تبدأ بالمشى بمحاذاة الشاطئ أو حافة نهر أو بحيرة، بالتأكيد يختلف المشى اعتمادا على أى بلد عربى أنت فيه!

•  •  •

كان الماء، أو القرب منه، كما الآن هو رفيق الصيف بل أصبح رفيق الصيف والربيع وبعض الخريف ربما! فجأة أصبح الماء ككل شىء بثمن أو تحول إلى مادة «ربحية» فى سوق الاستهلاك وثقافته، واقتصاد يعتمد على أنه لا حق لنا - أى المواطنات والمواطنين البسطاء - إلا قدر قدرتنا على الدفع، وأصبح الماء والهواء النقى فى صيف «جهنمى» من فعل جهنم وليس جهنميا بمعنى جميل وفائق الروعة! أصبح الماء والهواء والترفيه وكل الأمور التى تضفى بعض جمال ورقة على حياة تصحرت حتى فى وقت السيول، أصبحت بثمن وكلفة وليس حقا لنا بل علينا أن ندفع ثمنه!

•  •  •

كان أهل الخليج ببساطتهم الآخذة فى التلاشى أسرع من نفطهم وثرواتهم، يتجهون صوب البحر بشواطئه المفتوحه فلا على الشخص سوى أن يفرش سجادته أو شرشف قطنى ويجلس يحتسى بعضا من المشروبات الغازية المثلجة أو الشاى غير المثلج، فلم نعتد الشاى المثلج إلا بعد الغزو الثقافى الأمريكى الذى تغلغل لكل بيت وغرفة نوم! وبعض الحب - والحب بالخليجى هو «البزر» أو «اللب» حسب أى بلد عربى أنتِ/أنتَ منه وفيه.. وربما خبز التنور والنخى أو الحمص والباجلة أى الفول.. كم كانت حياتنا وحياتهم غنية ببساطتها، وكم أصبحت فقيرة فى ازدحامها بكل التفاهات والمدخلات من مأكولات كثير منها لا يشبه الماء الذى نرحل له لنغتسل من عرقنا وتعبنا، ونمرح لبعض الوقت راقصين معه أو بين أمواجه.

•  •  •

المساءات الآن ثقيلة بل مكلفة، وهى قاتلة لأهلنا هناك فى غزة وكل فلسطين حتى أصبح الاستيقاظ من بعض النوم أو اللانوم كتسلق الجبال أو كعبور للمحيطات، مسألة شاقة ومرهقة لكونها تشكل الاستفاقة على صور الموت والدمار وكل ما يرمز لحياة كانت، وهى عائده حتما رغما عنهم، ولكن حتى ذلك الحين أو الوقت تبقى المساءات والأيام ثقيلة ثقل الصورة القاتلة لطفل أو طفلة وأنت تجلس على أريكتك المريحة فى غرفتك المكيفة وأمامك صحن من البطيخ البارد جدا وهو، أى ذاك الطفل، كان قبل لحظات يركض بحثا عن قطعة خبز أو قطرة ماء أو أى أمل لحياة ما بعد الإبادة حتى طاردته صواريخهم «الذكية» لتنهى حياته الصغيرة جدا أمام أنظارنا كلنا - نعم كلنا- دون استثناء إلا لمن أراد البعد عن الصورة القاتلة مدعيا أن «أعصابه» أو «أعصابها» لا تحتمل هذه المشاهد فيما يستمر هو/هى فى مضغ الهامبرجر الدسم مع رقاقات البطاطس والذى منه.

•  •  •

متعبة المساءات التى يسود فيها الصمت فتتساقط الصور تباعا للأحرار هناك ولكثير من «الإمعات» هنا.. هذه مساءات دون أحلام بل كثير من الكوابيس الواقعية القادمة من فلسطين.

خولة مطر  كاتبة صحفية من البحرين
التعليقات