36 ساعة بين إسطنبول وموسكو - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الأحد 19 أكتوبر 2025 11:17 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

36 ساعة بين إسطنبول وموسكو

نشر فى : الأحد 19 أكتوبر 2025 - 7:50 م | آخر تحديث : الأحد 19 أكتوبر 2025 - 7:50 م

فى بعض اللحظات والأيام فإن الحياة لا تسير كما تتمنى، ويمر عليك الوقت صعبا وثقيلا وكئيبا. ثم ينتهى كل ذلك وتعود الحياة إلى طبيعتها وإيقاعها الاعتيادى، وفى هذه اللحظة تحمد الله كثيرا على الحياة الاعتيادية التى يشكو منها الكثيرون أحيانا.
مساء الأربعاء قبل الماضى ٨ أكتوبر توجهت إلى مطار القاهرة للسفر إلى روسيا بدعوة كريمة من الحكومة الروسية لحضور وتغطية فعاليات القمة العربية الروسية الأولى فى موسكو.
أنهيت إجراءات السفر مبكرا، ودخلت إلى «لاونش» الخطوط التركية، واستمتعت بمشاهدة مباراة مصر وجيبوتى فى المغرب التى فزنا بها وصعدنا لكأس العالم.
ثم توجهت لصالة السفر؛ حيث إن موعد الإقلاع هو العاشرة إلا الثلث ليلا، وهنا بدأت المتاعب: الطائرة تأخر إقلاعها ساعة ونصف الساعة. بدأ الشك يساورنى أننى لن ألحق بطائرة نفس الخطوط التركية التى ستقلنى من إسطنبول إلى كازان عاصمة تترستان الروسية، وصلت مطار إسطنبول قبل موعد الطائرة الأخرى بنصف ساعة فقط. استجمعت كل لياقتى البدنية القديمة وجريت نحو 5 آلاف خطوة فى ربع ساعة لأن بوابة سفرى بعيدة جدا والمطار متسع. لحقت الطائرة حرفيا بمعجزة فى الثانية الأخيرة.
وصلت كازان فى السادسة والنصف صباحا، وكانت الصدمة الثانية أن حقائبى لم تصل، أمضيت أكثر من ساعة ونصف فى الانتظار، وبعدها قدمت بلاغا عن عدم وصول الحقائب.
وصلت الفندق فى كازان مع مجموعة من الإعلاميين الذين جاءوا من بلدان عربية، وبدأت تجربة أن تقضى وقتك بالقميص والبنطلون الجينز فقط، وكان أول قرار هو الذهاب إلى أحد محلات الملابس لشراء الاحتياجات الأساسية خصوصا "جاكت" ثقيلا لأن درجة الحرارة نحو عشر درجات مئوية فى كازان، وثلاث درجات فى موسكو.
عدت للفندق ليلا وعرفت من خلال سفيرنا فى موسكو حمدى شعبان أن القمة الروسية العربية ستتأجل بسبب ارتباط معظم القادة العرب بالمشاركة فى قمة توقيع اتفاق غزة فى شرم الشيخ.
بعدها مباشرة تلقيت أكثر من مكالمة أهمها ما يتعلق بمرض والدتى شفاها الله. وهنا قررت أن أعود للقاهرة خصوصا أن مصر صارت مركز الأخبار العالمية فى هذه اللحظة.
وهنا بدأت رحلة مضنية أخرى لتغيير تذاكر السفر إلى أقرب موعد. كنت أظن أن ذلك لن يستغرق وقتا، لكن حرفيا استمرت المحاولات بحثا عن أقرب موعد للسفر من الثامنة ليلا إلى الثانية عشرة والنصف صباحا. وفى كل لحظة أكتشف أن هناك مشكلة أو عقبة خصوصا أن غالبية الموظفين إما ناموا أو غادروا مكاتبهم.
كان المخطط الرئيسى قبل إلغاء القمة أن نتحرك من كازان ـــ بعد أن نزور أبرز معالمها ونلتقى برئيسها ــ إلى موسكو فى رحلة قطار تستغرق نحو عشر ساعات لأن المسافة بينهما نحو ٨٨٥ كيلومترا، ومع التغيرات كنت أحتاج تذكرة طيران مبكرة جدا من كازان إلى موسكو، وتعديل موعد طائرة مصر للطيران إلى أقرب وقت.
التذكرة الوحيدة المناسبة من كازان إلى موسكو كانت فى السابعة إلا الربع صباحا، وبالتالى كان ينبغى علىَّ عدم النوم والتحرك من الفندق إلى مطار كازان فى الثالثة والنصف فجرا لكن مشكلة هذا الخيار ألا أتمكن من استلام حقائبى حينما تأتى من إسطنبول إلى كازان.
ورغم هذا الجو الميلودرامى فقد اكتشفت الروح الطيبة والمشاعر الدافئة من الزملاء والزميلات الروس سواء فى اللجنة المنظمة أو فضائية «روسيا اليوم» الذين تركوا وقت راحتهم وظلوا معى حتى أحضروا لى التاكسى الذى نقلنى من الفندق إلى مطار كازان فى الرابعة فجرا، إضافة إلى الجهد الذى بذله سفيرنا فى موسكو حمدى شعبان وكبار مساعديه لتذليل الكثير من العقبات.
غادرت كازان واضطررت لترك حقائب سفرى تصل براحتها على أن يتكفل زملائى بإحضارها معهم بعد أسبوع، وصلت موسكو، ومنها ركبت طائرة مصر للطيران إلى القاهرة فى السادسة والنصف عصرا.
قد يسأل البعض أو يتساءل مستنكرا ويقول: ولماذا تصدعنا بمشاكلك الشخصية فى هذه المساحة التى يفترض أن يتم تخصيصها لمشاكل وقضايا تهم الناس؟!
والإجابة أن كثيرا منا يعيش أوقاته العادية جدا ولا يشعر بقيمتها إلا حينما تضعه الظروف فى موقف صعب جدا، وهنا يتذكر كم كان محظوظا، حتى لو اعتقد أنها حياة روتينية مملة. قضيت نحو ٣٦ ساعة بلا نوم إلا من لحظات خاطفة فى ٤ طائرات مختلفة وكان ختامها مسكا فى مصر للطيران.
استمتعوا بحياتكم العادية، حتى تتمكنوا من مواجهة الظروف العصيبة إذا صادفتكم.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي