هل بلغت الصين أوج قوتها؟ - مواقع عالمية - بوابة الشروق
الأحد 15 ديسمبر 2024 5:38 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل بلغت الصين أوج قوتها؟

نشر فى : الأحد 8 يناير 2023 - 8:55 م | آخر تحديث : الأحد 8 يناير 2023 - 8:55 م
نشر موقع Project Syndicate مقالا للكاتب جوزيف ناى، تحدث فيه عن المزايا التى تتمتع بها الولايات المتحدة والتى تجعلها متفوقة على الصين حتى وإن تجاوزت الأخيرة واشنطن فى الحجم الاقتصادى الإجمالى... نعرض من المقال ما يلى:

أفضى فشل سياسة خفض الإصابات بمرض فيروس كورونا إلى الصِـفر فى الصين إلى استحثاث عملية إعادة تقييم للقوة الصينية. حتى وقت قريب، توقع كثيرون أن يتجاوز الناتج المحلى الإجمالى فى الصين نظيره فى الولايات المتحدة بحلول عام 2030 أو قبل ذلك بفترة قصيرة. لكن الآن، يزعم بعض المحللين أنه حتى لو حققت الصين ذلك الهدف، فسوف تتقدم عليها الولايات المتحدة مرة أخرى. تُـرى هل شهدنا بالفعل «ذروة قوة الصين»؟

الواقع أن المبالغة فى تقدير قوة الصين لا تقل خطورة عن التقليل من شأنها. الاستخفاف يولد الرضا عن الذات، فى حين تؤجج المبالغة فى التقدير الخوف؛ لكن أيا من الأمرين قد يقودنا إلى حسابات خاطئة. تتطلب الاستراتيجية الجيدة تقييما صافيا دقيقا.

• • •

على النقيض من التصور التقليدى السائد، فإن الصين ليست الاقتصاد الأكبر فى العالم. مع قياس اقتصاد الصين تبعا لتعادل القوة الشرائية، أصبح أكبر من اقتصاد الولايات المتحدة فى عام 2014. لكن تعادل القوة الشرائية أداة يستخدمها أهل الاقتصاد لمقارنة تقديرات الرفاهة؛ حتى لو تجاوزت الصين ذات يوم الولايات المتحدة فى الحجم الاقتصادى الإجمالى، فإن الناتج المحلى الإجمالى ليس المقياس الوحيد للقوة الجيوسياسية. فلا تزال الصين متأخرة كثيرا عن الولايات المتحدة فى مؤشرات القوة العسكرية والقوة الناعمة، ولا تزال قوتها الاقتصادية النسبية أصغر عندما نضع فى الحسبان أيضا حلفاء الولايات المتحدة مثل أوروبا، واليابان، وأستراليا.

من المؤكد أن الصين كانت حريصة على توسيع قدراتها العسكرية فى السنوات الأخيرة. ولكن ما دامت الولايات المتحدة تحافظ على تحالفها وقواعدها فى اليابان، فلن تتمكن الصين من استبعادها من منطقة غرب المحيط الهادئ ــ والتحالف بين الولايات المتحدة واليابان اليوم أقوى مما كان عليه عند نهاية الحرب الباردة. صحيح أن المحللين فى بعض الأحيان يستخلصون من ألعاب الحرب المصممة لمحاكاة غزو صينى لتايوان استنتاجات أكثر تشاؤما. ولكن مع تعرض إمدادات الطاقة الصينية للهيمنة البحرية الأمريكية فى الخليج العربى والمحيط الهندى، سيكون من الخطأ أن يفترض قادة الصين أن أى صراع بحرى بالقرب من تايوان (أو فى بحر الصين الجنوبى) قد يبقى محصورا فى تلك المنطقة.

استثمرت الصين أيضا بكثافة فى قوتها الناعمة (القدرة على الحصول على النتائج المفضلة من خلال الجذب بدلا من الإكراه أو الدفع). ولكن على الرغم من أن التبادلات الثقافية ومشاريع المساعدة من الممكن أن تعزز بالفعل جاذبية الصين، يظل الأمر ينطوى على عقبتين رئيسيتين. أولا، من خلال الانغماس فى نزاعات إقليمية جارية مع جيران مثل اليابان والهند وفيتنام، جعلت الصين نفسها أقل جاذبية فى نظر الشركاء المحتملين فى مختلف أنحاء العالم. ثانيا، تسببت القبضة الحديدية التى يفرضها الحزب الشيوعى الصينى محليا فى حرمان الصين من فوائد المجتمع المدنى النشط الذى يجده المرء فى الغرب.

مع ذلك، سوف يظل مدى النفوذ الاقتصادى الصينى يشكل أهمية واضحة. كانت الولايات المتحدة ذات يوم أكبر قوة تجارية وأكبر مقرض ثنائى فى العالم. ولكن الآن، نجد أن ما يقرب من 100 دولة تعتبر الصين أكبر شريك تجارى لها، فى حين أن 57 دولة فقط ترتبط بمثل هذه العلاقة مع الولايات المتحدة. أقرضت الصين تريليون دولار أمريكى لتمويل مشاريع البنية الأساسية من خلال مبادرة الحزام والطريق على مدار العقد الماضى، فى حين خفضت الولايات المتحدة مساعداتها.

علاوة على ذلك، تعزز قصة نجاح الصين الاقتصادى قوتها الناعمة دون أدنى شك، وخاصة من منظور الأسواق النامية والناشئة الأخرى. كما أن قدرتها على منح أو منع الوصول إلى سوقها المحلية تمنحها نفوذ القوة الصارمة، والتى تسمح لها سياستها الاستبدادية وممارساتها التجارية بممارستها بحرية.

• • •

أين يتركنا هذا فى تقييم ميزان القوى فى عموم الأمر؟ من الأهمية بمكان أن نضع فى الحسبان أن الولايات المتحدة لا تزال تتمتع بخمس مزايا طويلة الأجل على الأقل. إحدى هذه المزايا الجغرافيا. فالولايات المتحدة محاطة بمحيطين وجارتين صديقتين؛ الصين فى المقابل تشترك فى الحدود مع 14 دولة أخرى وتنخرط فى نزاعات إقليمية فى مختلف أنحاء المنطقة.

تتمتع الولايات المتحدة أيضا بميزة الطاقة. على مدار العقد الأخير، حولت ثورة النفط الصخرى الولايات المتحدة إلى دولة مُـصَـدِّرة صافية للنفط، فى حين أصبحت الصين أكثر اعتمادا على واردات الطاقة من أى وقت مضى.

ثالثا، تستمد الولايات المتحدة قوة مالية لا مثيل لها من مؤسساتها المالية العابرة للحدود الوطنية والدور الدولى الذى يضطلع به الدولار. الواقع أن جزءا ضئيلا فقط من إجمالى الاحتياطيات من النقد الأجنبى مقوم بالرنمينبى، فى حين يُـحـتَـفَـظ بنحو 59% من هذه الاحتياطيات بالدولار. ورغم أن الصين تطمح إلى توسيع الدور العالمى الذى يضطلع به الرنمينبى، فإن العملة الاحتياطية التى يمكن التعويل عليها تعتمد على كونها قابلة للتحويل بحرية، وكذا على أسواق رأس المال العميقة، وحكومة إصدار نزيهة، وسيادة القانون. لا تتمتع الصين بأى من هذا، مما يجعل من غير المرجح أن يحل الرنمينبى محل الدولار فى المستقبل القريب.

رابعا، تتمتع الولايات المتحدة بميزة ديموغرافية نسبية. فهى الدولة المتقدمة الرئيسية الوحيدة التى يتوقع لها حاليا أن تحتفظ بمكانتها (الثالثة) فى الترتيب السكانى العالمى. فى المقابل، ستشهد سبعة من أكبر خمسة عشر اقتصادا فى العالم تقلص قوة العمل لديها خلال العقد المقبل، لكن قوة العمل فى الولايات المتحدة من المتوقع أن تزداد بنحو 5%. فى ذات الوقت، من المنتظر أن تعانى الصين من انحدار بنسبة 9% فى عدد سكانها فى سن العمل ــ الذى بلغ ذروته بالفعل فى عام 2014 ــ وسوف تتجاوزها الهند من حيث عدد السكان هذا العام.

أخيرا، كانت أمريكا فى صدارة تطوير تكنولوجيات رئيسية (التكنولوجيا الحيوية، وتكنولوجيا النانو، وتكنولوجيا المعلومات) تشكل ضرورة أساسية للنمو الاقتصادى فى هذا القرن. تستثمر الصين بطبيعة الحال بكثافة فى البحث والتطوير، ولهذا لم يعد تقدمها التكنولوجى يعتمد فقط على التقليد. لقد تمكنت الصين من اكتساب القدرة التنافسية فى مجالات مثل الذكاء الاصطناعى، حيث تأمل أن تصبح رائدته عالميا بحلول عام 2030. قد تُـفـضى الجهود التى تبذلها الولايات المتحدة لحرمان الصين من أشباه الموصلات الأكثر تقدما إلى إبطاء هذا التقدم، لكنها لن توقفه.

باختصار، تحتفظ الولايات المتحدة بيد قوية. لكنها إذا استسلمت للهستيريا بشأن صعود الصين أو التهاون والشعور بالرضا إزاء بلوغها «الذروة»، فقد تلعب أوراقها بشكل سيئ. والتخلص من أوراق عالية القيمة ــ بما فى ذلك التحالفات القوية والنفوذ فى المؤسسات الدولية ــ سيكون خطأ فادحا.

تُـعَـد الهجرة بين القضايا المهمة التى يجب مراقبتها بعناية. قبل ما يقرب من عشر سنوات، سُئل رئيس وزراء سنغافورة لى كوان يو حول ما إذا كانت الصين لتتفوق على الولايات المتحدة فى القوة الكلية فى أى وقت قريب، فقال إن هذا لن يحدث، لأن أمريكا قادرة على الاعتماد على مواهب العالم وإعادة تجميعها بطرق غير ممكنة ببساطة فى ظل قومية الهان العِـرقية فى الصين.

• • •

فى الوقت الحالى، هناك أسباب وفيرة تجعل الولايات المتحدة تشعر بالتفاؤل إزاء مكانتها فى العالَـم. ولكن إذا تخلت الولايات المتحدة عن تحالفاتها الخارجية وانفتاحها الداخلى فقد يتحول التوازن.

النص الأصلى
http://bitly.ws/yFa2
التعليقات