الاستيطان.. أداة إبادة سياسية فى الضفة - صحافة عربية - بوابة الشروق
الأحد 13 أبريل 2025 6:02 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

الاستيطان.. أداة إبادة سياسية فى الضفة

نشر فى : الثلاثاء 8 أبريل 2025 - 6:45 م | آخر تحديث : الثلاثاء 8 أبريل 2025 - 6:45 م

نشرت صحيفة القدس الفلسطينية مقالا للكاتبة دلال صائب عريقات، تحدثت فيه عن مشاريع الاستيطان فى الضفة الغربية التى تمر بهدوء دون أى اعتراض عربى أو دولى، وكيف يشكل ذلك واقعا يصعب التراجع عنه مستقبلا، ويقف عائقا أمام إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. أشارت الكاتبة إلى استغلال إسرائيل فرصة الصمت العربى والوضع الإقليمى المتدهور للمضى قدما فى مشروعها الاستيطانى… نعرض من المقال ما يلى:
فى ظل استمرار حرب الإبادة على غزة، والضغوط السياسية التى تشتدّ على الشعب الفلسطينى من كل الجهات، تمر مشاريع الضم الزاحف والاستيطان فى الضفة الغربية بهدوء قاتل. ومع كل وحدة استيطانية جديدة، وكل طريق التفافي، وكل أمر عسكرى بمصادرة الأرض، يُرسم واقع جديد لا يمكن التراجع عنه بسهولة.
مستوطنات متناثرة من شمال جنين إلى جنوب الخليل، تتوزع كحبّات نار فوق الجغرافيا الفلسطينية. هى ليست مجرد مستوطنات، بل أدوات تنفيذية لمشروع استعمارى إحلالى، هدفه الأساس فرض السيادة الإسرائيلية على الأرض المحتلة، وتفكيك أى إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقلة. إنها خريطة فرض الأمر الواقع، تنفذه حكومة اليمين الإسرائيلى المتطرف، وتتباهى به علنًا دون مواربة.
لقد خرج مشروع الضم من أروقة التفكير الاستراتيجى الصهيونى، إلى التنفيذ الممنهج على الأرض. فاليوم، ومع صعود حكومة تضم شخصيات لا تؤمن أصلا بوجود الشعب الفلسطينى، بات الاستيطان يُستخدم كأداة مركزية لتكريس واقع دائم، تتآكل فيه الحدود، وتُسحق فيه الحقوق، ويُحاصر فيه الفلسطينى بين جدار ومستوطنة وحاجز عسكرى.
فى مناطق كل المناطق من الخليل، والقدس، ونابلس والأغوار وكل المخيمات، تتضاعف وتيرة المصادرة والهدم والتهجير. لا يُسمح للشعب الفلسطينى بالبناء، فيجبر على الرحيل. لا تُقدّم له البنية التحتية، بينما تمدّ الكهرباء والمياه والطرق للمستوطنات المجاورة. القانون لا يُطبق على الجميع، بل يفصّل بحسب الهوية.
وما يجرى فى القدس تحديدا، هو تهويد معلن باسم «التنظيم»، وسحب هويات باسم «القانون»، وهدم منازل تحت مسمى «البناء غير المرخص»، وعلنا ضم المستوطنات الكبرى مثل «معاليه أدوميم» تنفيذًا لمشاريع E1 و E2 التى تهدف بشكل مباشر لفصل القدس عن أى تجمع فلسطينى وعزل الضفة عن القدس بالكامل. كل ذلك يحدث بتواطؤ دولى وصمت عربى وإقليمى مريب.
منذ السابع من أكتوبر، وجدت إسرائيل فى الوضع الإقليمى فرصة تاريخية لتوسيع نطاق القمع فى الضفة الغربية بذريعة «الأمن». أصبحت البلدات الفلسطينية تُعامل كعدو جماعى، وتُفرض عليها العقوبات الجماعية من اقتحامات متكررة، واعتقالات يومية، وهدم للمنازل، واستباحة كاملة من قبل المستوطنين الذين باتوا يمارسون عنفهم بدعم مباشر من الجيش.
إن أخطر ما فى المشهد ليس فقط التوسع الاستيطانى، بل نجاح الرواية الإسرائيلية فى تسويق الاستيطان كأمر واقع. فى خضم الحديث عن «حل الدولتين»، تمضى إسرائيل فى ترسيخ دولة واحدة على الأرض، لكنها دولة أبرتهايد، تميز بين البشر بحسب الهوية والانتماء الدينى.
إننا كشعب فلسطينى، وكمجتمع واعٍ، مطالبون أكثر من أى وقت مضى بكسر هذا الصمت، ومواجهة هذا المشروع، لا فقط بالسياسة والحقوق، بل أيضا بالوعى. يجب أن يعرف العالم، ويعرف أبناؤنا، أن ما يجرى فى الضفة ليس بناءً عمرانيِا، بل تدمير ممنهج لفكرة الدولة، ولمستقبل الأجيال القادمة.
الاستيطان ليس ملفًا تفاوضيًا مؤجلاً، بل تهديد وجودى آنٍ. وإن لم يُواجه هذا التوسع الاستيطانى بحراك شعبي، وموقف سياسى حازم، وخطاب إعلامى صريح، فإن خريطتنا سيعاد رسمها بأيدٍ لا تعترف بنا، ولا ترى فينا شعبًا يستحق الحياة بكرامة.

التعليقات