تأثير بارنوم.. وخدعة الكلمات - صحافة عربية - بوابة الشروق
السبت 12 أبريل 2025 9:35 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

تأثير بارنوم.. وخدعة الكلمات

نشر فى : الجمعة 11 أبريل 2025 - 7:20 م | آخر تحديث : الجمعة 11 أبريل 2025 - 7:20 م

 نشرت جريدة الرياض السعودية مقالاً للكاتب محمد الحمزة، تناول فيه ظاهرة نفسية تسمى «تأثير بارنوم»، وهو تأثير يجعل الناس يعتقدون أن العبارات العامة والغامضة التى تُقال لهم تخصهم شخصيًا، رغم أنها قد تنطبق على العديد من الأشخاص. كما أوضح الكاتب أن هذه الظاهرة تُستخدم فى العديد من السياقات، مثل الأبراج، اختبارات الشخصية، والإعلانات. أخيرًا، نبه الكاتب على ضرورة الوعى والبحث عن التفاصيل الدقيقة لأى قول لتجنب الوقوع فى فخ العبارات الفضفاضة... نعرض من المقال ما يلى:

هل حدث معك فى أحد الأيام وبينما كنت تتصفح وسائل التواصل الاجتماعى، وظهر لك إعلان يقول: «أنت شخص يمتلك إمكانات هائلة لم تستغلها بعد، لكنك أحيانًا تشك فى قراراتك.. واكتشف المزيد عن شخصيتك من خلال هذا الاختبار». وبفضول ضغطت على الرابط، ووجدت نفسك أمام عبارات عامة مثل: «أنت تحاول الموازنة بين طموحك وعلاقاتك، لكنك تخفى مشاعرك الحقيقية عن الآخرين». المفاجأة.. هى شعورك أن هذه الكلمات كتبت خصيصًا لك لكن الحقيقة كانت مختلفة؛ فهذه هى ظاهرة (تأثير بارنوم)، وهى لعبة العقل التى تجعلنا نصدق أن التصريحات الغامضة تخصنا وحدنا، رغم أنها قد تنطبق على الملايين.

القصة وراءها الفنان الأمريكى (بى. تى. بارنوم)، الذى أسس سيركًا مشهورًا فى القرن التاسع عشر، وكان يعلن عن عروضه أنها «تناسب جميع الأذواق»، ما يعنى أن كل شخص سيجد شيئًا يرضيه، لكن العلماء لم يدركوا آليات هذه الظاهرة إلا فى منتصف القرن العشرين.

فى عام 1948، أجرى عالم النفس (بيرترام فورير) تجربة بسيطة أدهشت الجميع: قدم لطلابه تحليلا لشخصيتهم مؤلفا من 12 عبارة عامة مثل: «أحيانا تشعر بعدم اليقين تجاه مستقبلك، لكن لديك قدرة على التحمل». العجيب أن 85% من الطلاب اعتقدوا أن التحليل كتب خصيصا لهم، رغم أن الكل تلقى نفس النص هكذا أصبحت الظاهرة تعرف أيضا باسم «تأثير فورير».

تخيل أنك تجلس فى مقهى مع صديق، فيهمس لك: «أنت شخص اجتماعى، لكنك تحتاج إلى العزلة أحيانا». هل ستتعجب من دقته؟ الحقيقة أن هذه الجملة مصممة لتخدعك عبر ثلاث آليات، أولها الغموض الذى يناسب الجميع؛ فالعبارات مثل «أنت تحاول تحقيق التوازن بين العمل والحياة» أو «لديك طموحات خفية» وهى واسعة لدرجة أنها تنطبق على 90% من البشر، وفق دراسة فى مجلة علم النفس التجريبى عام 2012. ثانى آلية هى التحيز التأكيدى؛ فعقلك يلتقط ما يتوافق مع معتقداتك ويتجاهل البقية، فإذا قيل لك: «أنت كريم، لكنك تتردد أحيانا فى مساعدة الآخرين». ستركز على «الكرم» وتتناسى أنك رفضت إقراض صديقك مالا الأسبوع الماضى.. الآلية الثالثة هى الطعم الإيجابى؛ حيث وجدت دراسة فى جامعة كامبريدج عام 2020 أن 70% من الناس يثقون بتحليل شخصية إيجابى حتى لو كان عاما. فالعبارة: «أنت مبدع ولم تستغل إمكاناتك» تشعرك بالتميز، حتى لو كانت حقيقية بنسبة 1%.

التأثير فى حياتنا اليومية هو من الأبراج إلى التنبؤات الوهمية؛ فكم مرة قرأت تنبؤا مثل: «الميزان يسعى للتوازن، لكنه يتردد فى اتخاذ القرارات»، فهذه الجملة تنطبق على أى إنسان، ومع ذلك، كشف استطلاع مركز بيو للأبحاث عام 2021 أن 29% من الأمريكيين يؤمنون بتأثير الأبراج على حياتهم.

وعندما يشارك أحدهم فى اختبارات مثل: «أى شخصية كرتونية تعكسك؟»، النتائج غالبا ما تكون مثل: «أنت بطل شجاع يحب المغامرات»، وهى صفات ترضى الأنا لكنها لا تضيف جديدًا. وفى تجربة شهيرة، قدم الباحث جيمس راندى وصفًا عامًا لشخصية مجموعة أشخاص، ثم أخبرهم أنه تنبأ بها مسبقا. صدّق 80% منهم التنبؤ، رغم أنه كان مجرد كلمات فضفاضة.

يقول عالم الفلك كارل ساغان: «التنجيم ينجح لأنه يمنحك جملاً غامضة عن نفسك، ثم تبحث عن معناها فى حياتك». ويقول ستيفن بينكر: «العقل البشرى مبرمج لاكتشاف الأنماط، حتى لو كانت وهمية، وهذا ما يجعلنا نصدق التصريحات الغامضة».

التأثير ليس شريرًا بطبيعته؛ ففى التعليم، قد يستخدم المعلمون عبارات مثل: «أنت قادر على النجاح إذا بذلت جهدًا» لتعزيز الثقة. وفى التسويق تنجح الحملات التى تقول: «هذا المنتج مصمم لكِ، لأنكِ فريدة» فى جذب العملاء. لكن الخطر يكمن فى الاستخدامات الخادعة، مثل بيع «استثمارات فلكية» أو استغلال الناس عبر التنبؤات الكاذبة.

حتى نحمى أنفسنا؛ لا بد من التشكيك فى العموميات، واسأل: هل هذه العبارة تنطبق على أخى؟ جارى؟ 90% من البشر؟، ولا بد من البحث عن الدقة، واطلب تفاصيل ملموسة لا تحتمل التأويل، مثل: «أنت تكره طعم الشوكولاتة» بدلاً من «أحيانا تشك فى اختياراتك»، ولا بد من الوعى بالتحيزات، وتذكر أن عقلك يبحث عن معنى حتى فى الفراغ.

تأثير بارنوم يذكرنا أن البشر يسعون لفهم ذواتهم، لكنهم أحيانًا يقعون فى فخ الإيهام. كما قال كارل يونج: «الوهم ضرورى، لكن الحقيقة وحدها تحررنا»، لذا لا بد أن نحتفظ بحس نقدى، نؤمن بإمكاناتنا، لكننا نرفض أن نكون ضحايا كلمات فضفاضة تصاغ لكل شخص.. إلا واحد.

التعليقات