نشرت صحيفة الخليج الإماراتية مقالا للكاتبة ندى أحمد جابر، تناولت فيه مراحل كشف بعض الوثائق لاغتيال الرئيس الأمريكى جون كينيدى، والروايات المختلفة وراء منع نشر الوثائق كافة... نعرض من المقال ما يلى:
جون كينيدى.. الرئيس الأمريكى الذى اغتيل عام 1963 فى سيارته المفتوحة ووسط جمهور من محبيه، حيث وثقت استطلاعات المؤرخين وعامة الناس أنه يُعتبر الأكثر شعبية على مؤشر (جالوب) بين الرؤساء الأمريكيين بنسبة 70% وهو الأعلى حتى اليوم.
مات الرئيس الشاب فى غفلة وهو يحيى الجماهير التى اصطفت على الشارع لتُعبر عن حبها له.. هى عدة ثوانٍ، ببندقية وثلاث طلقات.. مات أمام شاشات التلفزة وأعين الناس.. وبقيت الحكاية التى لم تمت، تعود جيلا بعد جيل يُطالب الشعب بكشف الحقيقة.. من قتل الرئيس؟
حتى جاء الإعلان الأول عن كشف وثائق الاغتيال عام 1992 نتيجة لقانون سجلات اغتيال الرئيس كينيدى الذى أقره الكونجرس. هذا القانون صدر بعد أن أثار فيلم (JFK) للمخرج (أوليفر ستون) عام 1991 اهتماما شعبيا واسعا حول مُلابسات الاغتيال، ما أدى إلى ضغط شعبى كبير على الحكومة للكشف عن الوثائق السرية المُتعلقة بالحادث واستمرت المطالب الشعبية لأن الوثائق لم تكن كاملة وفى 26 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2017 كان الموعد الرسمى للإفراج عن المزيد منها، لكن الرئيس دونالد ترامب أجّل الموضوع لأسباب مجهولة، تواصلت عمليات الكشف تحت الضغط الشعبى فى عهدى ترامب وبايدن وبقى أكثرها سريا وخلال الحملة الانتخابية للرئيس الحالى ترامب، وعد بكشف كامل الوثائق وهو يعلم حب الشعب للرئيس كينيدى ورغبته الجامحة لمعرفة الحقيقة التى أحيطت بالكثير من السرية فاستغل هذه الرغبة لكسب المزيد من الأصوات.. ولكن الشعب أصيب مرة أخرى بالإحباط حيث بقيت آلاف الوثائق طى الكتمان فى سجلات المخابرات (CIA) التى ذُكر بوضوح فى أحد الوثائق المنشورة أن كينيدى لم يكن على وِفاق معها.
أما الحكاية التى انتشرت آنذاك فهى تحمل الكثير من الاحتمالات، أولا تم القبض على مُرتكب الجريمة بظرف ساعة وعشرين دقيقة فقط، ليتبين أن اسمه (لى هارفى أوزوالد) رغم أن الكثير شككوا فى إمكانية أن يكون وحده المسئول عن هذا الاغتيال الكبير. (أوزوالد) عرف عنه أنه جندى سابق فى مشاة البحرية وأنه غير مُحترف بإطلاق النار ولم يُثبت تورط أى جهة أو مجموعة تتلقى أوامر من قوى أجنبية. لكن صحيفة «واشنطن بوست» رجحت نظرية مُفادها أن مسئولين أمريكيين بما فى ذلك وكالة المخابرات المركزية كانوا متورطين فى الاغتيال، وذلك حسب الصحيفة نفسها. وما زاد فى الشكوك أن هذا القاتل سرعان ما تم قتله هو الآخر أثناء نقله من مقر الشرطة إلى سجن المقاطعة.. حيث قتله شخص يدعى (جاك روبى) بعد يومين فقط من إلقاء القبض عليه، وحتى (جاك روبى) أيضا توفى بعد وقت قصير من إعادة فتح القضية أما رجل الأمن (كلينت هيل) الذى شهد الحادث وكان مرافقا للرئيس وزوجته فقد أعلن فى كلمته ما أثار التساؤلات. قال: «عصر البراءة انتهى» وأضاف الرجل الذى عمل فى الأمن الرئاسى الأمريكى: «الناس فقدت احترامها للسلطات، ولم تعد تعتقد أن السياسيين ووسائل الإعلام يقولون الحقيقة».
بقى اغتيال الرئيس المحبوب أكبر ألغاز القرن العشرين، رغم أن الشائعات ما زالت تؤكد أن وراء إخفاء كامل الوثائق مؤامرة. هذا الغموض أثار العديد من الروايات المختلفة.. وأكدت لجنة تحقيق تابعة لمجلس النواب خلصت عام 1979 إلى أن كينيدى اغتيل نتيجة مؤامرة، مُرجِحة أن شخصين أطلقا النار عليه وليس شخصا واحدا.
أمام تلك الروايات المتناقضة والتمادى فى كتم الوثائق. عاد المجتهدون إلى البحث فى توجهات الرئيس السياسية قبل اغتياله فى محاولة لفهم أسباب هذا الاغتيال. قال (بيرتون كوفمان) أستاذ علم السياسة والعلاقات الدولية والذى يُعد واحدا من كبار مؤرخى العلاقات الخارجية لأمريكا فى كتابه «الشرق الأوسط العربى والولايات المتحدة» قال: «كان الرئيس الأمريكى يفهم جيدا موجة القومية العربية التى كانت تجتاح الشرق الأوسط فى منتصف الخمسينيات وبداية الستينيات وكان واعيا بالحساسية العربية إزاء قضايا اللاجئين الفلسطينيين ومشكلة الدعم الأمريكى لإسرائيل وخلال حملته الانتخابية عام 1960 هاجم الإدارات السابقة فى البيت الأبيض لأنها تعاملت مع العرب من منظور واحد هو الصراع بين الشرق والغرب كان الرئيس كينيدى يتبع سياسة أكثر توازنا تجاه القضايا العربية، رغم علاقته الجيدة مع إسرائيل، كان حريصا على دعم الدول العربية وامتاز عهده بعلاقة احترام متبادل معها، هذا التوجه الجديد فى السياسة الأمريكية كان يهدف إلى تحسين العلاقات مع العرب» ويشير كوفمان فى كتابه إلى أنه كان معجبا بالرئيس جمال عبد الناصر.
أما الدكتورة هدى جمال عبد الناصر فقد أعلنت أنها جمعت مُرسلات يصل عددها إلى 38 رسالة بين والدها والرئيس جون كينيدى وأضافت خلال لقائها عبر قناة «سى بى سى» مع الإعلامية منى الشاذلى أن الرسائل المُتبادلة بين الزعيمين مثيرة للاهتمام. ومن الجدير بالذكر أن كينيدى لم يكن متحمسا لتزويد إسرائيل بالأسلحة النووية، علما أن نائبه الذى شغل منصب الرئيس بعد اغتياله مباشرة (ليندون جونسون) كان معروفا بفكره الصهيونى وداعما لإسرائيل وفى عهده كانت نكسة 1967.
ويبقى السؤال هل ستُكشف الحقيقة يوما.. أم أنها ستبقى وعودا فى الدعايات الانتخابية؟