نشرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتبة آمال موسى تناولت فيه معاناة العالم من ظاهرة عولمة الأزمات أى تأثر دول العالم بتداعيات أزمة أو حرب نشبت فى دولة ما مثل الحرب الروسية الأوكرانية؛ لذا من الضرورى على دول العالم الثالث الاعتماد على الثروات الخاصة وتوفير الاحتياجات الأولية للشعوب لتفادى قدر الإمكان ضرر عولمة الأزمات... نعرض من المقال ما يلى.
تعد ظاهرة العولمة من أكثر الظواهر التى أسالت الحبر وتراكمت حولها الأطروحات بين ناقد ومنتقد ومبشر بها ورافض لها. ولكن رغم كل الاختلافات فى المقاربة فإن الزمن أثبت صحة الحديث عن ظاهرة العولمة ذاتها وأنه بالفعل هناك عولمة بدأت فى التمظهر مع انتشار وسائل تكنولوجيا الاتصال الحديثة وصولا إلى تعزيز خطاب ثقافة العولمة وقيمها.
إذن العولمة كواقع ليس من السهل التنكر له.
المشكلة الجديدة اليوم تكمن فى أن العولمة باتت تشمل كل شىء؛ فكل شىء يخضع للعولمة ويخضع بشكل أكبر وفق شدة الحدث وارتباطه بحياة الناس. لذلك فإننا اليوم نتحدث بعولمة الأزمة. بمعنى أن نشوب حرب فى بقعة ما من العالم فإن تداعيات تلك الحرب تمس كل بقاع العالم وأرجائه. بل إن الملاحظ أن فعل العولمة فى ما هو سلبى وخطير وحيوى شديد السرعة والأثر.
ما نلاحظه أيضا هو أن العولمة بوصفها حقيقة تزداد معاينة ورصدا وتأكيدا فى ما يتصل بالأزمات. كما أن فكرة العالم قرية صغيرة تتأكد من ناحيتين اثنتين؛ الأولى فى البعد الإعلامى للأحداث ومسألة انتشار الخبر، والثانية فى تداعيات الأزمات باعتبار أن وسائل الاتصال والتواصل والتنقل تجعل من الأزمة معلومة. ولقد عرفنا هذا الأمر فى أزمة «كوفيد ــ 19» ورأينا كيف انتشرت الجائحة وعمّت كل العالم فى بضعة أيام، وهو أمر ما كان ليكون وكان سيستغرق السنوات لولا ما عرفته وسائل النقل والبلدان من انفتاح وحركة نقل متعددة الوسائل، حيث إن كتب التاريخ تناولت ما كان يستغرقه الوباء من زمن قبل أن يصل إلى بلد مجاور.
طبعا يجب ألا يفهم من هذا التحليل أننا بصدد تقديم هجاء لتطور وسائل النقل أو لوسائل تكنولوجيا الاتصال الحديثة بقدر أن الهدف ربط ظاهرة العولمة بعاملين اثنين؛ هما تطور وسائل النقل وظهور تكنولوجيا الاتصال، وكلا العاملين يندرجان ضمن معنى التواصل الذى يمثل السكة الحديدية التى تستعملها العولمة.
أيضا على امتداد العام الماضى رأينا آثار العولمة فى الحرب الروسية ــ الأوكرانية وكيف هددت هذه الحرب دولا عدة بالإفلاس وكيف أدت ببلدان مثل فرنسا وبريطانيا إلى أزمات اقتصادية. فالواضح أن كل أزمة فى الوقت الحالى من غير الممكن أن تنحصر فى الإطار الذى انطلقت فيه، وذلك من منطلق أن التداعيات تشمل الجميع وتضع الجميع فى مواقف اقتصادية صعبة.
إن تجربة الحرب الروسية ــ الأوكرانية وحجم الارتباك الذى أفرزته تداعياتها على دول عدة من العالم من الضرورى أن تقود عقلاء العالم إلى التفكير فى مسألة مهمة جدا وهى: كيف يمكن فى زمن عولمة الأزمات العمل على تعزيز الصمود ضد التداعيات الكبرى والمهددة لقوت المجتمعات وحياتهم وإدارة شئونهم؟
كيف يمكن التقليص من آثار تشابك مصالح العالم اليوم واختلاطها على نحو معقد؟
فى لحظة ما يتم ترتيب الحاجيات وفق معادلة الحياة والموت، ومن ثم فإننا ننتهى إلى وضع أولويات جديدة والتكيف معها ومحاولة ضمانها فى لحظات هجوم تداعيات الأزمات التى تنشب من دون إذن أو إعلام.
ويبدو لنا أن الحاجيات الأساسية للغذاء من المهم أن تدرج ضمن الأمن القومى لأى دولة. بمعنى آخر هناك مواد يجب ألا تكون رهينة السلام العالمى الذى من الصعب أن يتوفر وإذا توفر فإنه ليس دائما. أى إن ما يتصل بأساس الغذاء الذى من دونه يجوع الناس فإنه لا بد له من حل وطنى ــ وطنى كى لا تظل حياة النّاس مهددة بتداعيات أزمة خارجة عن بلدها ولكن بحكم العولمة القسرية فإنها ضحية من ضحايا تداعياتها.
أيضا لم يعد بالإمكان بالنسبة إلى الدول ذات الثروات المتواضعة من ناحية الطاقة ألا تجد حلولا بديلة وألا تنخرط فى الطاقات البديلة. فالرهان فى اتجاه وسائل النقل العمومية بات حلا مهما للتخفيض من حجم استهلاك الطاقة والاستثمار فى أسطول نقل عمومى حديث ومريح من شأنه أن يحقق نتائج إيجابية سواء من ناحية التقليص فى نفقات الطاقة أو فى جودة الحياة وتأمين بيئة أكثر صحة وأقل تلوثا.
إن الكرة فى مرمى عقلاء العالم كى يدبروا أمر شعوبهم والتفكير فى سبل إنقاذهم من تداعيات الأزمات الدولية التى لا تعترف بالقوى ولا بالضعيف وتربك كل ما يمكن أن تعتمده ميزانيات الدول من فرضيات، وتهدد واقع النّاس فى أبسط الأساسيّات.
الدرس الأكبر: مرحبا بالانفتاح والتبادل والتعاون، ولكن بعد ضمان الحد الأدنى من التعويل على الثروات الخاصة.