العقوبات لن تلجم بوتين - دوريات أجنبية - بوابة الشروق
الخميس 9 يناير 2025 1:02 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العقوبات لن تلجم بوتين

نشر فى : الأربعاء 9 مارس 2022 - 7:40 م | آخر تحديث : الأربعاء 9 مارس 2022 - 7:40 م

نشرت مجلة ذا نيويوركر مقالا بتاريخ 7 مارس 2022 للكاتبة روبين رايت، تقول فيه إن العقوبات الاقتصادية لا تؤدى دائمًا إلى تغيير ذى مغزى، مشيرة إلى سبب هذا الفشل. استعانت الكاتبة لتدعيم وجهة نظرها بأمثلة لفشل العقوبات التى فرضت على بعض الأنظمة الديكتاتورية مثل؛ العراق، كوريا الشمالية، إيران. ويبدو أن هذا السيناريو هو المرجح فى روسيا.. نعرض من المقال ما يلى.
يوم الخميس الماضى، قال الرئيس الأمريكى جو بايدن، مع بلوغ قيمة الروبل الروسى أقل من سنت أمريكى واحد: «العقوبات الاقتصادية الشديدة المفروضة على بوتين وجميع من حوله، والتى أدت إلى منع الوصول إلى التكنولوجيا والنظام المالى العالمى ــ كان لها تأثير عميق بالفعل».
ومع ذلك، فإن الحقيقة القاسية هى أن العقوبات غالبًا ما تفشل فى الضغط بشكل كافٍ أو فعال على الأنظمة، سواء كان الهدف هو إنهاء الحرب، أو وقف الإبادة الجماعية، أو الحد من صنع قنبلة نووية، أو تقويض الاضطهاد. فبسبب العولمة التى أدت إلى تعزيز وتضخيم الاعتماد المتبادل بين الدول، أصبحت العقوبات لا تمثل سوى استجابة منخفضة الفعالية.
بكلمات أخرى، فرض العقوبات لا يحدث تغييرًا حقيقيًا. رأينا فشل ذلك فى كوريا الشمالية وفنزويلا والعراق. كما واجه الرئيس السورى، بشار الأسد، عقوبات متعددة بسبب قمعه الوحشى بعد انتفاضة الربيع العربى، فى عام 2011، التى تحولت إلى حرب أهلية ومات مئات الآلاف، لكن الأسد لا يزال راسخًا فى دمشق.
عادةً ما يكمن سبب فشل العقوبات فى إعفاء بعض القطاعات التى تمثل شريان الحياة المالى من نطاق فرض العقوبات. روسيا استفادت من هذه الإعفاءات. فالعقوبات الغربية ما زالت تسمح لها بمواصلة بيع الطاقة. وهذا الشهر، ارتفعت الأسعار إلى مائة وخمسة عشر دولارًا للبرميل. وحتى لو اختار الغرب معاقبة موارد الطاقة الروسية، فقد يأتى ذلك بنتائج عكسية مثل خلق أزمة نفطية فى الغرب ورفع الأسعار عالميًا، بينما تتحول روسيا ببساطة إلى مشترين آخرين. فالعديد من الدول، لا سيما الصين، لم تقطع تجارتها مع روسيا.
العراق كان أحد أسوأ حالات فشل العقوبات. فى عام 1990، ولّد غزو الرئيس صدام حسين غير المبرر للكويت نفس النوع من الغضب الدولى المرئى اليوم بشأن عدوان بوتين على أوكرانيا. فى غضون أربعة أيام من هجوم العراق، فرضت الأمم المتحدة عقوبات منعت التجارة العالمية مع بغداد. رفض صدام الانسحاب. وبعد ستة أشهر، أدى هجوم عسكرى بقيادة الولايات المتحدة إلى طرد القوات العراقية، لكن الزعيم العراقى رفض الامتثال لشروط وقف إطلاق النار. استمرت العقوبات. كانت الحصيلة مروعة. فبحلول عام 1997، كان ثلث الأطفال العراقيين يعانون من سوء التغذية. وأفاد الصليب الأحمر بأن اقتصاد العراق «فى حالة يرثى لها». كان للمعاناة تأثير ضئيل على صدام. ويبدو أن بوتين، حتى الآن، لا يهتم أيضًا. العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية فشلت أيضا فشلا ذريعا. فعلى مدى ثلاثة أجيال، أصبحت كوريا الشمالية أكثر عدوانية وأفضل تسليحًا وأكثر عنادًا. وحتى عندما عرضت وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت فى عام 2000 صفقة بغرض تخفيف العقوبات وتقديم بعض المساعدات الإنسانية مقابل تقييد برنامج الصواريخ الباليستية الطموح فى كوريا الشمالية، فشلت المحادثات رغم أن كوريا الشمالية كانت تمر بمجاعة تاريخية دامت أربع سنوات وأدت إلى مقتل الملايين. والآن ماذا؟. يعد النظام الكورى الشمالى النظام الأكثر عزلة فى العالم ولديه عشرات الأسلحة النووية والصواريخ بعيدة المدى لإطلاقها عبر آسيا والمحيط الهادئ.
أيا كان الأمر، إدارة بايدن قالت إن العقوبات الجديدة على روسيا مستوحاة من «النموذج الإيرانى»!. لكن هناك بعض النقاط التى ينبغى أن تستقر فوق حروفها، فبعد أربعة عقود من الحظر والعقوبات لم تتغير حسابات النظام الإيرانى. فرضت الولايات المتحدة عقوبات لأول مرة بعد احتجاز 52 دبلوماسيًا أمريكيًا كرهائن فى طهران عام 1979. استغرق الأمر أربعة عشر شهرًا لتحريرهم. تم فرض المزيد من العقوبات أيضا فى منتصف الثمانينيات لرعاية الدولة للإرهاب. وشددت العقوبات فى التسعينيات ومرة أخرى عام 2005 وسط شكوك حول طموح إيران لصنع قنبلة نووية. فى عام 2013، وافقت طهران أخيرًا على التفاوض.
ومع ذلك، تخضع العقوبات أيضًا لأهواء السياسة الداخلية. فبعد مرور ثلاث سنوات على الاتفاق النووى الإيرانى لعام 2015، تخلى دونالد ترامب عنه وفرض أكثر من ألف عقوبة جديدة على طهران. كان هدفه إقناع إيران بالتفاوض على صفقة أوسع إلا أنه فشل فشلا ذريعا. وردا على ذلك، خرقت إيران القيود المفروضة على برنامجها النووى.
باختصار، نادرًا ما تغير العقوبات أيديولوجية النظام أو سلوكه. لا شك أن روسيا ستواجه ألمًا اقتصاديًا حادًا بسبب غزوها لأوكرانيا. ورغم أن بوتين «استخف بشدة» بالإرادة السياسية للغرب لفرض مثل هذه المجموعة المعقدة من العقوبات، بما فى ذلك العقوبات المفروضة عليه شخصيا إلا أن التاريخ يظهر أن السلاح الاقتصادى سلاح محدود. ومن غير المرجح أن تؤدى العقوبات وحدها إلى وقف موسكو.
ترجمة وتحرير: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى هنا

التعليقات