مأسسة الحركة الصهيونية - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:35 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مأسسة الحركة الصهيونية

نشر فى : السبت 9 مارس 2024 - 8:20 م | آخر تحديث : السبت 9 مارس 2024 - 8:20 م
بعد أن عقد المؤتمر الصهيونى الأول فى مدينة بازل السويسرية تحت رئاسة تيودور هرتزل، تم العمل على قدم وساق لمأسسة الحركة الصهيونية، بمعنى تحويلها من مجرد دعاية أيديولوجية إلى مجموعة مؤسسات سياسية وتشريعية وتنفيذية وثقافية، بل ومالية من أجل تحقيق حلم الدولة اليهودية فى فلسطين، وهو بالفعل ما ساعد الدولة العبرية عند قيامها كثيرا لأن المؤسسات كانت قائمة بالفعل والشبكات السياسية كانت حاضرة بقوة عند إعلان نشأة إسرائيل فى ١٩٤٨!
كانت واحدة من أهم الخطوات لهذه المأسسة، هو إنشاء الحركة الصهيونية التى جاءت بقرار من المؤتمر الصهيونى الأول، وتحول اسمها لاحقا، إلى الحركة الصهيونية العالمية. قررت الحركة أن عضويتها مفتوحة لليهود من كل أنحاء العالم بثلاثة شروط؛ أولها الإيمان بمبادئ الصهيونية، وتحديدا بفكرة إقامة الوطن اليهودى فى فلسطين، وثانيها أن يكون السن على الأقل ١٨ عاما عند الانضمام، وثالثها أن يدفع العضو اشتراكا بعملة الشيكل التى لم تكن متداولة فى أى مكان بالعالم، ولكن تم وضع قيمة مالية لها فى مقابل عدد من العملات الأوروبية، وتم تحديد الموافقة على عدد الأعضاء من كل دولة بحسب عدد وحدات العملة التى يتم شراؤها!
فى المؤتمر الصهيونى الثانى والذى عقد أيضا فى مدينة بازل السويسرية عام ١٨٩٨، تم الاتفاق على إنشاء «الصندوق اليهودى الاستعمارى» واتخذ فى البداية من لندن مقرا له قبل أن ينتقل إلى فلسطين، ليكون بمثابة الذراع المالية الأولى للدولة اليهودية والذى تحول لاحقا إلى بنك «ليومى»، والذى بدوره كان مسرحا لأحداث مسلسل عادل إمام الشهير «فرقة ناجى عطالله!».
كانت مهمة الصندوق الاستعمارى هو إنشاء شركات شحن وشركات تأمين لتمويل عدد من المشروعات الإنشائية والزراعية فى فلسطين وهو الأمر الذى ساعد الحركة فى بداية القرن العشرين وحتى إنشاء دولة إسرائيل على أن تصبح أكثر تنظيما وتأخد الكثير من الدعم والتأييد من باقى يهود أوروبا، بل والأهم أن الدول الاستعمارية الأوروبية وفى مقدمتها بريطانيا بدأت تأخذها على محمل الجد!
يلاحظ أن المؤتمر الصهيونى الثانى شهد مضاعفة عدد الحضور من اليهود، فبينما حضر المؤتمر الأول فى العام السابق ٢٠٠ شخص، حضر فى المؤتمر الثانى ٤٠٠ شخص، وكان من الواضح كيف أن هرتزل تمكن من إقناع عدد أكبر من اليهود بالفكرة رغم المعارضات اليهودية لها. كذلك ففى هذا المؤتمر كانت تناقش عدة موضوعات متعلقة بالكيفية التى سيتم توسيع المستعمرات اليهودية فى فلسطين، وقد عرض هرتزل فى هذا المؤتمر نتائج دراسة ميدانية عن عدد المستعمرات اليهودية التى كانت قائمة فى فلسطين وتصور الكيفية التى ستتوسع بها، ولكن دون استعداء بريطانيا أو العرب أو الدولة العثمانية، وخصوصا وأن الدراسة أظهرت أن أكثر من ٩٢٪ من السكان فى فلسطين هم من العرب فى هذا الوقت، وهو أمر لم يحسمه المؤتمر الثانى!
كذلك فقد ثار الجدال فى المؤتمر حول الصهيونية السياسية والصهيونية الثقافية ففى حين كان هرتزل مشغولا بالبرنامج السياسى للصهيونية على اعتبار أن إنشاء الوطن اليهودى هو الأولوية، فإن عددا من المشاركين كانوا مشغولين بالبعد الثقافى وكان تقديرهم أنه بدون القوة الناعمة للفكرة الصهيونية فلن يكون هناك فرصة لتنفيذ البرنامج السياسى، وهو ما دعا المؤتمر أيضا لإنشاء اللجنة الثقافية للصهيونية والتى تم تفويضها العناية بالأبعاد الثقافية للأيديولوجية الصهيونية وهو ما كان له أثر هام فى تنويع استراتيجيات وأشكال الصهيونية سأوضحه فى المقالات القادمة.
• • •
بالتوازى مع المؤتمرين الصهيونيين الأول والثانى كان عدد من المنتمين إلى المسيحية الصهيونية فى الولايات المتحدة يعملون على قدم وساق للحصول على اعتراف أمريكى بالوطن القومى لليهود فى فلسطين، والمقصود هنا بالمسيحية الصهيونية هى العقيدة التى يؤمن بها عدد من الأصوليين البروتستانت بأن إنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين هو بمثابة مؤشر يمهد للعودة الثانية للمسيح، وهكذا فرغم اختلافهم العقائدى عن اليهود، إلا أنهم يتفقون مع الحركة الصهيونية العالمية فى الهدف السياسى بإنشاء هذا الوطن، وهو ما ساهم فى تعضد العلاقة بين الحركة الصهيونية بقيادة هرتزل وبين المسيحية الصهيونية وتحديدا فى الولايات المتحدة!
كانت الجماعة الأخيرة قد تمكنت فى عام ١٨٩١ من عرض ما عرف بعريضة بلاكستون على الرئيس الأمريكى بنجامين هاريسون (١٨٨٩ــ١٨٩٣) للحصول على موافقته لتأييد هذا الوطن اليهودى فى فلسطين وقد وقع عليها عدد كبير من رجال الأعمال ورجال الصحافة وبعض أعضاء الكونجرس فى الولايات المتحدة، ورغم أن العريضة لم يتم الموافقة عليها من هاريسون، إلا أنها كانت بمثابة نواة لحركة مسيحية قوية شكلت ضغطا كبيرا فى العقود التالية على الرؤساء الأمريكيين لتأييد هذه الدولة!
• • •
تم عقد المؤتمر الصهيونى الثالث فى ١٨٩٩ بمدينة بازل أيضا، وفى هذا المؤتمر قام هرتزل بعرض نتائج زيارة كان قد قام بها فى أكتوبر من ١٨٩٨ وزار فيها كلا من إسطنبول والقدس وحيفا، وفى هذه الزيارة قابل القيصر الألمانى فيلهلم الثانى محاولا إقناعه بالتوسط لدى السلطان عبدالحميد الثانى بالموافقة على المشروع الصهيونى فى فلسطين، وهو ما رفضه القيصر بشكل قاطع، لكن رغم ذلك واصل هرتزل جولته فى فلسطين وتفقد المستوطنات القائمة ورفع عنها التقرير المذكور أمام المؤتمر الثالث.
فى العام التالى ١٩٠٠، عقد المؤتمر الرابع لأول مرة خارج بازل، حيث انتقل إلى لندن وكان يهدف هرتزل من ذلك التأثير بشكل أكبر على الساسة البريطانيين وتقديم الحركة الصهيونية إليهم وإقناع يهود بريطانيا بالانضمام، فضلا عن مناقشة أحوال اليهود فى شرق أوروبا والذى تواصل قمعهم وطردهم من بلادهم وخصوصا فى رومانيا!
فى المؤتمر الخامس والذى عاد فى عام ١٩٠١ إلى بازل مرة أخرى، عرض هرتزل نتائج زيارته إلى السلطان عبدالحميد الثانى حيث حاول إقناع الأخير بتدخله لتخفيف الديون الأوروبية المستحقة على الخلافة العثمانية فى مقابل موافقة السلطان على منح أراض فى فلسطين إلى المهاجرين اليهود وهو ما رفضه عبدالحميد قطعا، لكن لم يتوقف هرتزل أبدا عن محاولاته!
فى هذا المؤتمر الخامس أيضا تم إنشاء الصندوق القومى اليهودى من أجل ضخ أموال مخصصة لشراء أراضى فلسطين بواسطة الحركة الصهيونية! من أهم نتائج هذا المؤتمر أيضا هو ظهور تأثير «حاييم وايزمان» على سير الإجراءات داخل المؤتمر ومن ثم على الحركة الصهيونية ككل، فوايزمان ــ والذى سيصبح بعد ذلك أول رئيس لإسرائيل ــ كان من أوائل هؤلاء الذين اقتنعوا بأفكار هرتزل وانضموا إليه وهو المولود فى روسيا وشاهد فى طفولته الاضطهاد الروسى لليهود! وايزمان فى هذا المؤتمر لمع نجمه بشدة، حينما أصر على ضرورة إدخال إجراءات أكثر ديموقراطية داخل الحركة الصهيونية وعدم تركها لهرتزل ليستأثر فيها بعملية صنع القرار، ليستمر تأثير وايزمان بعد ذلك لسنوات وخصوصا بعد وفاة هرتزل فى ١٩٠٤!
ملاحظة: تم الاعتماد فى هذا المقال والمقالين السابقين على أرشيف المنظمة الصهيونية العالمية، وكذلك على أرشيف المكتبة الافتراضية اليهودية، وكذلك على قاموس «من A إلى Z» الخاص بالصهيونية والذى ألفه كل من رافاييل ميدوف وحاييم واكسمان ونشر فى عام ٢٠٠٩ بواسطة دار نشر «سكاركرو» فى بريطانيا.
أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر