لم يحضر نائب الرئيس السابق جو بايدن الاجتماع الوحيد الذى جمع الرئيس السابق باراك أوباما مع الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى مدينة نيويورك عام 2015.
وقبل ذلك جمعت علاقات طويلة امتدت لعشرات السنوات بين بايدن (يبلغ 77 عاما) من خلال سنوات خدمته كسيناتور ديمقراطى فى لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، والتى ترأسها لسنوات كذلك، والرئيس المصرى السابق حسنى مبارك وأركان نظامه فى مجال السياسة الخارجية.
ولم يكن مفاجئا عدم ترحيب جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكى حينذاك، بثورة 25 يناير ولا بالحراك الشعبى ضد حكم الرئيس مبارك.
***
وأثناء أيام ثورة يناير الثمانیة عشرة، انقسم فريق إدارة أزمة مصر داخل الإدارة الأمريكية الذى كان يبحث المستجدات لحظة بلحظة إلى فريقین میز بينهما إضافة إلى المواقف المتعارضة فجوة جیلیة واضحة. الفريق الأكبر سنا ضم نائب الرئيس بايدن إضافة إلى وزير الخارجية هيلارى كلينتون ووزير الدفاع روبرت جيتس وآخرين.
وسیطر على هذا الفريق خبرتان تاريخیتان ألیمتان بالنسبة لواشنطن. الأولى هى الثورة الإسلامية فى إيران 1979 ونجاحها فى تأسیس دولة دينیة تحت زعامة آية الله خومينى، وما تبع ذلك من معاداة الولايات المتحدة والغرب لهذه الدولة حتى يومنا هذا.
النموذج الثانى كان نجاح تنظیم حماس فى الفوز بالانتخابات الفلسطینیة عام 2006، وهذه التجربة الثانیة التى لم تغب عن ذهن خبراء ومسئولى مخضرمى السياسة الأمريكية.
ولم يعرف بايدن من هى القوى المحركة للشارع المصرى، ولم يتملكه إلا الشك فى تداعيات الربيع العربى والجانب المصرى فيه على مصالح واشنطن المستقرة فى المنطقة.
***
وخلال أيام الثورة نفى نائب بايدن أن يكون الرئيس مبارك ديكتاتورا. ورد فى مقابلة مع برنامج ساعة إخبارية News Hour أنه يعرف مبارك جيدا، وعندما سأله مقدم البرنامج جيم ليرر، سيادة نائب الرئيس، هل حان الوقت لتنحى الرئيس المصرى مبارك؟ أجاب بايدن، أعتقد أن الوقت حان لكى يتحرك فى الطريق الذى يلبى مطالب شعبه. هناك الكثير من أفراد الطبقة الوسطى ممن يبحثون عن ظروف أفضل وفرص أكثر. وأود أن أؤكد أن هناك شيئين هامين، الأول هو أن العنف ليس وسيلة مناسبة، والثانى أن الشعب له الحق فى التظاهر، ونحن نعتقد أن الرئيس مبارك سوف يلبى بعض المطالب المشروعة التى عبر عنها المتظاهرون. وأكد بايدن أنه يعرف الرئيس مبارك جيدا، إلا أنه لم يتحدث معه منذ بدء التظاهرات. وردا على سؤال إذا ما كان يعتقد أن هناك موجة من الديمقراطية تهب على المنطقة العربية وأن نظرية الدومينو تعمل بعد سقوط النظام التونسى، وأن الدور على مصر، رد بايدن قائلا «لا أعتقد بوجود هذه الظاهرة»، وعند سؤاله عما إذا كان الرئيس مبارك يجب النظر إليه كديكتاتور، قال بايدن «مبارك كان حليفا لنا فى العديد من القضايا، وكان حليفا مسئولا.. ولن أصف مبارك بأنه ديكتاتور». وقال «على الناس فى الشارع أن تكون حذرة أيضا وعدم اللجوء إلى العنف، وأعتقد أنه من المهم جدا أن يتوفر للشعب الآلية للتعبير عن مطالبهم المشروعة».
ثم هاتف بايدن حينذاك نائب الرئيس المصرى عمر سليمان مؤكدا تنديد الرئيس أوباما بالعنف الأخير فى مصر وداعيا جميع الأطراف إلى التزام ضبط النفس. كما أكد مجددا دعم الرئيس للحقوق العالمية، بما فى ذلك الحق فى التجمع السلمى وتكوين الجمعيات وحرية الرأى. وحض بايدن على الشروع فورا فى مفاوضات شاملة وذات مصداقية لكى تنتقل مصر إلى حكم ديمقراطى يلبى تطلعات الشعب المصرى. وشدد على أن الحكومة المصرية مسئولة عن ضمان أن المظاهرات السلمية لا تؤدى إلى العنف والترهيب والسماح للصحفيين ودعاة حقوق الإنسان بالقيام بعملهم المهم، بما فى ذلك الإفراج فورا عن المحتجزين.
***
ولم يعرف عن بايدن مواقف محددة تجاه الشأن المصرى خلال السنوات الأخيرة إلا ربما تغريدة على منصة تويتر قبل ستة أشهر كتبها بايدن فى منتصف يناير الماضى تعليقا على وفاة مصطفى قاسم، المواطن الأمريكى من أصل مصرى أثناء سجنه داخل مصر، وهو ما يشير مبكرا عن تطابق مواقفه مع مواقف الحزب الديمقراطى التقليدية خاصة تلك التى اتبعتها إدارة الرئيس باراك أوباما بين عامى 2008 إلى 2016.
وكتب بايدن يقول «أتضامن مع أسرة مصطفى قاسم، وأصلى لها، فى هذا الوقت العصيب. الأمريكيون المحتجزون ظلما فى أى مكان فى العالم يستحقون دعم حكومتنا الكامل، وبذل الجهود الدؤوبة لضمان إطلاق سراحهم».
ويمكن تفهم مغزى ومضمون هذه التغريدة، التى من المؤكد أن بايدن لم يكتبها بنفسه، من خلال النظر إلى الفريق المساعد والمرشح لإدارة ملفات السياسة الخارجية وقضايا الشرق الأوسط فى الدائرة المحيطة بجو بايدن، وهى دائرة أوبامية (إشارة للرئيس أوباما) بامتياز.
عدة وجوه تعرفها نخبة السياسة الخارجية المصرية جيدا من خلال الاحتكاك بها على مدى السنوات والعقود الأخيرة أذكر منها جاك سوليفان وتونى بلينكن وفيليب جوردون وروبرت مالى، وآيان جولدبيرج وسوزان رايس وغيرهم. ويدفع كبر عمر المرشح بايدن إلى ارتفاع تقديرات عدم إدارته للشأن الخارجى ومنح المزيد من الصلاحيات لمساعديه.
***
وعلى الرغم من انتماء بايدن للتيار التقليدى فى السياسة الخارجية للحزب الديمقراطى والذى لا تختلف سياساته فى مجملها عن سياسات أوباما وكلينتون، عرف الحزب خلال السنوات القليلة الماضية نموا صاعدا وقويا لتيار تقدمى يسارى يطالب بقطيعة مع ماضى السياسة الخارجية التقليدى فى الشرق الأوسط.
ولن نعرف بعد كيف سيتم التوازن بين التقليديين والتقدميين وتأثير ذلك على مواقف بايدن من الشأن المصرى.
كاتب صحفى متخصص فى الشئون الأمريكية ــ يكتب من واشنطن.