نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية مقالا لـ«باول كروجمان» أستاذ الاقتصاد بجامعة نيويورك حول الوضع الذى تحتله قضايا البيئة وخصوصا مسألة تغير المناخ لدى الولايات المتحدة وبخاصة لدى كل من المرشحين الأمريكيين هيلارى كلينتون (المرشحة عن الحزب الديمقراطى) ودونالد ترامب (المرشح عن الحزب الجمهورى) والجدل والانقسام الذى تشهده هذه المسألة بشكل عام فى الداخل الأمريكى. ويتطرق المقال أيضا إلى بعض من سياسات وقرارات اتخذتها الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى ذلك الصدد.
يبدأ «كروجمان» بأن لدى الولايات المتحدة الأمريكية مرشحين يختلفان أشد الاختلاف حول العديد من القضايا والمسائل ولكن تأتى الفجوة الأكبر بينهما عند الحديث عن القضايا المتعلقة بالمناخ. ووفقا لما تصرح به كلينتون فإنها إن فازت ستستكمل ما بدأته إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما لسياسات الطاقة النظيفة المحلية والتفاوض الدولى بشأن تطبيق مثل هذه السياسات. ويعطى ذلك بصيصا من الأمل فى كبح جماح انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى قبل أن تتحول مسألة تغير المناخ إلى كارثة مناخية بحق.
أما إن فاز دونالد ترامب ــ وأسلوبه الجنونى المتطرف المعروف فى سياسات المناخ بل وجميع السياسات ــ فستكون العقيدة السائدة وقتها بأن الاحتباس الحرارى ما هو إلا مؤامرة دولية كبيرة من قبل العلماء ووقتها سيصبح ذلك كارثة حقيقية وسيكون لا مفر من ذلك الاعتقاد المخزى.
***
ويتساءل الكاتب عن وسائل الإعلام وأسباب تجاهلها لمثل هذه القضية المهمة (تغير المُناخ) والذى يبدو فى أوقات كثيرة وكأنها مصممة على فعل ذلك التجاهل عن قصد. ويستطرد قائلا: هل توجد أى قوانين تمنع أو تجرم أن يتم التطرق إلى القضايا المهمة المتعلقة بالبيئة تحديدا خلال الحوارات والمناقشات التى تبثها هذه الوسائل؟! وقبل التطرق إلى هذه القضية علينا الحديث عن الانقسامات حول سياسات المُناخ فيما يلى:
مثلا توفر إدارة أوباما الدعم الكبير فيما يتعلق بتطوير الطاقة الخضراء من خلال السياسات والقروض التى تقدمها لتعزيزها وبخاصة مع منافستها لطاقة الشمس والرياح. على النقيض من ذلك لم يسمع أحد بقيام الإدارة الأمريكية بتشديد معايير الكفاءة باستهلاك الوقود وخصوصا فيما يتعلق بالشاحنات والحافلات وهى من أكثر الأمور البيئية خطورة على مدى عشرات السنوات.
على نحو أكثر تفصيلا فإنه إن فازت كلينتون فمن المؤكد أن تكون أكبر التحركات البيئية متعلقة أولا بوضع خطة للطاقة النظيفة والتى من شأنها تنظيم الانبعاثات الناتجة من محطات توليد الطاقة، وثانيا اتفاق باريس للمُناخ والذى يُلزم اقتصادات كبريات الدول فى العالم باتخاذ قرارات وسياسات من شأنها إجراء تخفيضات كبيرة بالانبعاثات.
فى الوقت نفسه هناك السيد ترامب الذى يؤكد مرارا وتكرارا على أن تغير المُناخ ما هو إلا مؤامرة ويشير إلى ضلوع الصين فى هذه المؤامرة من أجل التأثير السلبى على تنافس الولايات المتحدة لها وذلك خلاف الفكر الرئيسى الذى يتبناه حزبه الجمهورى ــ ولكن لا جدوى من هذا إذا كان ما يظهر فى النهاية هو ما يُصرح به ترامب.
***
نتيجة لكل ذلك فهناك جدل وانقسام كبير لا يُصدق فيما يتعلق بقضايا وسياسات المُناخ، ولا تظهر هذه الاختلافات فقط بين الأحزاب والمرشحين، ولكن من المتوقع ظهورها على نحو أكبر خلال السنوات المقبلة. ولن يكون الخلاف على أى قضايا أخرى بقدر ما سيكون حول مسألة تغير المُناخ. ولكن لماذا لا نسمع المزيد من النقاشات حول ذلك؟!
وهنا يؤكد الكاتب على أنه لا ينفى تماما عدم وجود أى تقارير أو نقاشات حول الجدل الذى يتعلق بالتغير المُناخى ولكن تسليط الضوء عليه لم يكن أبدا مثلا كقضية البريد الإلكترونى الخاصة بالسيدة هيلارى كلينتون. وإنه لمن المثير للدهشة حقا أن لدينا لقاءات تلفزيونية بينها مناظرة بين المرشحين كلينتون وترامب وأخرى بين نائبيهما ولم يتم توجيه سؤال واحد من قبل المديرين لهذه اللقاءات حول المُناخ!
ومثال على ذلك التجاهل لقضية المُناخ ما حدث الأسبوع الماضى خلال المناظرة التى أجريت بين نائبى المرشحين كلينتون وترامب (الديمقراطى تيم كاين والجمهورى مايك بنس) والتى أدارتها «إلين كيخانو» (مراسلة شبكة سى بى إس نيوز الأمريكية News CBS) والتى قد وجهت إليهما أسئلة تتعلق باللجنة المسئولة عن ميزانية الفيدرالية وأن الحكومة الفيدرالية قد تواجه مشاكل مالية لعقود قادمة خاصة مع تكاليف الاقتراض المنخفضة والفائدة ذات القيمة المتدنية والعجز النسبى الذى تعانى منه الميزانية. ولكن إذا كان ينتابنا القلق من الآثار التى تتسبب بها السياسات الحالية على المدى الطويل ولا نعير أى اهتمام للغازات المسببة للاحتباس الحرارى والتى تأتى أهميتها أكثر بشدة من تراكم الديون نتيجة للفائدة المنخفضة فذلك من المثير للدهشة حقا. وإنه لمن غير المنطقى أن يتم التطرق إلى ما سنعانيه مستقبلا ولا نقلق أو نتطرق إلى الكوارث المتعلقة بالمُناخ والتى نواجهها بالفعل فى الوقت الحالى بل وسنستمر نعانى من آثارها على المديين القصير والطويل رغم أن ذلك الجانب الذى يتم تهميشه يهم الكثيرين ويؤثر على حياة الكافة.
على الرغم من كل ذلك تشير استطلاعات الرأى إلى أن الناخبين الأمريكيين يهتمون كثيرا بشئون البيئة والطاقة المتجددة ولكن 40% من الناخبين من فئة الشباب لا يجدون فرقا بين كل من هيلارى وترامب فيما يتعلق بهذه القضايا.
من جهة أخرى يجب على الجميع إعطاء مزيد من الاهتمام لمثل هذه القضايا المهمة المتعلقة بالمُناخ والبيئة وكذلك السياسات والقرارات المتعلقة بها. ولكن ما يحدث أن الناخبين يعتمدون بشكل كبير فى تكوين رؤيتهم حول القضايا وأهميتها على ما يشاهدونه بنشرات الأخبار ولا يقرءون التقارير المهمة بالصحف المتخصصة ومن ثم يغيب عنهم الوعى بأن قضية كالمُناخ على سبيل المثال تعد قضية مركزية لا ينبغى أبدا أن تغيب بذلك الشكل المخزى عن الحملات الرئاسية. ولكن الجيد هنا أنه لايزال لدينا مناظرات قادمة نأمل أن تتطرق إلى مثل هذه القضايا وأن تُصلح ما تم من تجاهل حدث خلال الفترات السابقة.
***
يختتم الكاتب بالتأكيد على أنه قد حان الوقت لوضع حد لذلك التعتيم الذى تشهده قضايا البيئة وعلى وجه الخصوص قضية تغير المُناخ، فيجب أن تكون مثل هذه القضايا فى المقدمة والمركز وألا تتراجع أبدا لهذه الدرجة أو يتم تهميشها على ذلك النحو. كما يجب أن يتم تناول مثل هذه القضايا بإثارة العديد من الأسئلة حولها وأن توجد شفافية بشكل عام حول هذه القضايا سواء فيما يتعلق بالإعلان عن أى آثار مترتبة عليها وتكلفة هذه الآثار أو وقت حدوثها وأن يتم بشكل عام تدقيق جميع المعلومات المتعلقة بالكشف عن كل ما يتعلق بقضية المُناخ. وأخيرا فلا توجد قضية أهم من مسألة التغير المُناخى وإذا ما تم السماح بأن يحدث تهميشها فيجب أن يعد ذلك جُرما لا يُغتفر.
النص الأصلى: