ستوقف الإرادة تراجع الزمن - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:51 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ستوقف الإرادة تراجع الزمن

نشر فى : الأربعاء 9 أكتوبر 2024 - 8:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 9 أكتوبر 2024 - 8:10 م

لكأن اليوم كالأمس، وكأن الزمن قد توقف والنفوس قد توقفت عن ممارسة بناء الأمل والأحلام الكبرى.
أنى أعرض نتفًا من خطاب ألقيته فى يناير من عام 1993 فى فندق الشام فى ربوع دمشق العزيزة كرئيس للهيئة العليا للمجلس العربى للاختصاصات الطبية أثناء اجتماع ندوة عمداء كليات الطب العربية.
قلت الآتى منذ أكثر من الثلاثين سنة العجاف، وكأننى أقولها اليوم بدموع الأسى والحزن.
«أيها الأخوة، إنى أذكركم بكارثة الخليج العربية القومية نتيجة لهيمنة العقلية القطرية التى تعيش على الآنية. إنى أذكركم بمآسى لبنان من جرّاء الخلاص الفردى الذى مورس عبر عقدين مأساويين من الزمن، وأذكركم بجوع وعرى الصومال العربى أمام عيون وآذان أمّته دون استجابة جدية منها».
إنى أذكركم بعربدة وصلف وأطماع الكيان الصهيونى فى فلسطين العربية المأساة.
إنى أذكركم لتدركوا عظم المآسى ولتعلموا أن خلاصنا جميعًا يكمن فى المؤسسات الوحدوية، كمؤسستكم هذه، والتى تكونت بعقلية قومية وحدوية لخدمة أبناء الوطن العربى الواحد.
أما اجتماعات العلاقات العامة، أمّا بيانات العواصم الموسمية فإنها كالزبد الذى سيذهب جفاء.
• • •
اليوم، لا نعيش فقط جميع المآسى التى ذكرتها آنذاك فى خطابى، وإنما أضفنا إليها فواجع كبرى ودمارًا هائلًا فى أقطار أساسية كبرى كانت ملء العين والبصر وفى الطليعة وقائدة الآمال الكبرى. فأن تجلس غالبية أنظمة الحكم العربية وغالبية مؤسسات المجتمعات المدنية العربية سنة كاملة وهى تشاهد أبشع صور الإبادة والاستباحات فى غزة ومؤخرًا فى الجنوب اللبنانى، دون أن تفعل شيئًا فإن تأوهات الماضى تصبح لفحة من جحيم الحاضر. ونقيس على ذلك ما يشاهده الكل من دمار وتمزق وجوع فى السودان وسوريا واليمن وغيرها من الأقطار، بصور مقنّعة ودون أن يرفّ جفن أو تنهمر دموع.
ليس فى السياسة والأمن فقط. فمنذ بضعة أيام كنا فى مؤتمر شعبى نناقش خطط البحرين الاقتصادية لسنوات 2030 و2050، والخطط المماثلة لدول مجلس التعاون. فى مداخلة لى ذكرّت الحضور بأن كل ما ننقده ونقترح حلولًا له قُدّم فى مذكرة تفصيلية من قبل مجموعة من وزراء دول مجلس التعاون منذ أربعين سنة لأمانة المجلس ودوله. الفرق فقط هو فى ازدياد حجم وشدة ما يحتاج لنقد وتصحيح. كان أقصى همّ أصحاب المذكرة آنذاك هو أن ينتقل اقتصاد دول مجلس التعاون من مرحلة الاقتصاد الريعى إلى الاقتصاد الإنتاجى. أما اليوم فقد زدنا على مشاكل الاقتصاد الريعى القديمة جحيم الاقتصاد الرأسمالى النيوليبرالى بكل مطالبه وأهدافه المجنونة من سوق حرة منفلتة إلى ازدياد فى غنى الأغنياء وفقر الفقراء، إلى فردانية استهلاكية نهمة، إلى تهميش كلى للقيم والأخلاق فى عوالم المال والاقتصاد والتكنولوجيا والعلوم، إلى تدمير ممنهج لبيئة الإنسان الطبيعية والمعنوية. منتهى أمنياتنا اليوم هو أن نعود إلى الدولة التى أردنا إصلاحها منذ أربعين سنة، دولة الرعاية الاجتماعية التى لم تُبق فيها هجمة الخصخصة أنفاس أدنى مستويات الحياة. وهكذا يجرى الزمن ونحن ندور فى حلقة مناقشة نفس الأمور.
منذ بضع عقود من الزمن فقط كان الزّخم الوحدوى التحررى المستقل الناهض الندّى المتمرّد على كل أنواع الاستعمار وعلى المشروع الصهيونى برمّته، المتوجه نحو الاعتماد الذاتى، هو المؤسّس والموجّه لكل خطاب فى السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة. أما اليوم فقد حلّ محله خطاب الخلاص القطرى الأنانى، حتى ولو كان مضرًا بأخوة آخرين، وأصبح من يؤلف الخطاب.
قمّة الخطأ فى هذه المرحلة تتمثل اليوم فى جرأة البعض على نقد وتقريع المقاومة العربية، لأنها تجرأت وثارت ضدّ التركيع والتدمير الشيطانى الصهيونى. حتى محاولة رفع الرأس والدفاع عن النفس والعرض والوجود العربى من قبل قوى قلة شجاعة مضحية لا يريدها هذا البعض.
ومع ذلك فهذه الأمة لن تموت وسيرى الجهلة أى منقلب سينقلب شياطين الخارج والداخل.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات