أواصل اليوم سلبيات وأخطاء القوى المدنية المصرية.. مما يحتاج للمراجعة والتصويب.. وذكرت فى مقالى الأول سبع نقاط وإليكم البقية:
8 ـ غياب الزعيم السياسى الحقيقى:
بالرغم من طول عمر التجمعات والأحزاب السياسية المدنية فإنها لم تخرج لنا حتى اليوم زعيما سياسيا حقيقيا يقنع الشعب المصرى بزعامته ويملأ الفراغ السياسى المصرى.. فاليسار إلى وقت قريب كان معتمدا على زعامة تاريخية عسكرية الأصل منذ الخمسينيات وهى خالد محيى الدين ولم يخرج زعامة أخرى تضاهيه.. والوفد ظل معتمدا إلى اليوم على زعامات الأربعينيات والخمسينيات المتمثلة فى فؤاد سراج الدين الذى لم يملأ فراغه أحد حتى اليوم.. والاشتراكية لم تخرج حتى اليوم شخصية طاهرة ونقية مثل إبراهيم شكرى الذى كان يجمع بين الفكر الإسلامى والاشتراكى جمعا صحيحا.
فكل هذه الأحزاب والتجمعات السياسية المدنية فشلت فى إيجاد زعامة سياسية شعبية حقيقية مثل: مصطفى كامل أو محمد فريد أو سعد زغلول.. وكل الذين يحتلون مقاعد القيادة فى هذه التيارات هم من معمرى السياسة الذين انتهت خدمتهم وصلاحيتهم وودعوا الهمة والنشاط والمرونة والحيوية والفاعلية الشعبية.. وهم يفتقدون الرصيد الاستراتيجى الذى يعتمد على الشعب عامة والشباب خاصة.. ولا يستطيعون تحريك الشارع المصرى فضلا عن إقناعه بأطروحاتهم.. ولذلك تجد الصراع يدور دوما بين الجيش والإخوان منذ الخمسينيات وحتى الآن.
أما القوى السياسية المدنية فتنضم دوما إلى صف الجيش نكاية فى الإخوان من جهة واطمئنانا إلى أن الجيش لن يقصيها مثل الطرف الإسلامى أو أنه أقرب إليها منه حتى لو ظلمها.
9 ـ إقصاء القوى المدنية لبعضها البعض:
إقصاء القوى المدنية للإسلاميين عامة والإخوان خاصة قد يكون مبررا لاختلاف الفكر والأيديولوجيا.. أو لأن الآخر الإسلامى يفعل معها ذلك.. ولكن الغريب والعجيب فى دنيا السياسة المصرية.. أن القوى السياسية المدنية وأشخاصها وزعاماتها يقصى بعضها بعضا فى كثير من الأحيان.. ولولا وصول الإخوان للسلطة ما توحد التيار المدنى من قمة يساره إلى يمينه.. حتى إذا زال حكم د.مرسى والإخوان عاد الاختلاف والشقاق مرة أخرى.. فإذا بحزب الدستور الذى أسسه د.البرادعى والذى كان يعد نفسه لخلافة الإخوان فى الحكم يتمزق ويستقيل منه معظم قياداته الفاعلة.. وكأنه يقول لقد مضى الخصم وانتهى حكمه فلماذا التوحد.
ويمكن أن ترى ذلك فى معظم هذه الأحزاب إذا يشغل قادتها دوما الصراع على المغانم والسلطة قبل خدمة الوطن والمواطن.. وينشغل كل قائد فيها بإقصاء الآخر الذى ينافسه.. وخاصة بعد الإطاحة بالخصم الأكبر للجميع وهو الإخوان.
10 ـ عدم استلهام الفكرة الإسلامية الوسطية:
فلم يحسن التيار اليسارى والاشتراكى المصرى تطوير نفسه بحيث يستلهم الفكرة الإسلامية الوسطية كأساس لحركته دامجا فيها العدل الاجتماعى.. وتاركا كل ما يخالف الفطرة الإنسانية والشريعة الإسلامية فى ذلك مثل فكرة التأميم مثلا ومحدثا مراجعات مهمة لتاريخه يتصالح فيها مع الفكر الإسلامى الرصين ويضرب قادته نموذجا فى الزهد والقناعة والعفة مثل الراحل إبراهيم شكرى الذى كان نموذجا حقيقيا للجمع بين الفكرة الإسلامية والاشتراكية حرصا صحيحا حيث تبرع بكل أملاكه للفلاحين الفقراء أو أن تتخذ الأحزاب الليبرالية من مبادئ الحرية فى الإسلام منطلقا لحركتها تاركة تطرف الليبرالية الغربية وأن تنطلق من قول عمر «كيف استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا» وقول القرآن: «ولقد كرمنا بنى آدم» وقوله تعالى: «والنفس بالنفس».
والغريب أن الأحزاب المدنية ركزت فى قيادتها على رجال الأعمال من أجل فائدة واحدة هى التمويل مهملة الشباب والفقراء والبسطاء ولم نر لها قائدا فقيرا أو فى سن الشباب بل كلهم جاوزوا الستين تقريبا.