جدلية العام والخاص فى نضالات المرأة العربية - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:45 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جدلية العام والخاص فى نضالات المرأة العربية

نشر فى : الخميس 10 مارس 2016 - 10:00 م | آخر تحديث : الخميس 10 مارس 2016 - 10:00 م
لا تحتاج المرأة العربية ليوم المرأة العالمى ولا لأية احتفالية فولكلورية تسعى لشد عزيمتها أو إرشادها إلى ما يجب أن تفعله لشقُ طرق حضورها الكامل غير المنقوص فى الحياة العربية.

لنقم بزيارة المدارس والجامعات ومراكز البحوث وكل أنواع المؤسسات التربوية والتدريبية الأخرى لنراها تلميذة متفوقة وأستاذة متألقة ومديرة كفؤة. لنقم بزيارة مؤسسات الصحة لنراها طبيبة ناجحة وممرضة وفنية وإدارية قديرة. لنقم بزيارة ساحات الإعلام والثقافة، وشتى أشكال المهن الرفيعة المستوى، ومؤسسات المجتمع المدنى السياسية والاجتماعية والتطوعية، ومنابر الأدب والشعُر والفنون، ونشاطات الاقتصاد والمال والإدارات الحكومية، لنكتشف زخم تواجدها وإبداعاتها.

مثل هكذا وجود حى متعاظم ما كان ليكون لولا جهودها الذاتية وأحلامها الطموحة وتمرُدها على القيود والبلادات والأعراف وكل أشكال السجون وتاريخ طويل من الإذلال والتهميش. إنه وجود كثمرة لنضال نسائى طويل يعود الفضل فى نجاحاته وانتصاراته للمرأة العربية فى الدرجة الأولى.

فى الحياة العامة، فى بناء المجتمعات والدول، فى إثبات الذات بندية ودون استعطاف أو أخذ موافقة أحد، نجحت المرأة العربية فى أن تكون نهرا متدفقا لا توقف جريانه صخور ولا سدود مصطنعة ولا قاذورات يلقيها هذا الموتور أو ذاك الجاهل المتخلف. لا يوجد خوف عليها فى الحياة العامة، وهى لن تحتاج لأحد غيرها. وستحقق المزيد طال الزمن أو قصر.

***
لكن المرأة العربية لديها إشكالية فى حياتها الخاصة التى يجب أن توليها أهمية كبرى مختلف المناسبات الاحتفالية، من مثل احتفالية يوم المرأة العالمى. وفى هذا الجانب يجب أن يوجد تيار فكرى وفقهى نضالى مستقل غير مجامل لأحد، وذلك من أجل مساعدة المرأة العربية فى نضالها لحل إشكاليات تلك الحياة الخاصة.

فما عاد من المعقول فى هذا الزمن الذى يقترب فيه العالم من جعل التعليم إلزاميا حتى نهاية المرحلة الثانوية، أن تسمح القوانين، مستندة إلى قراءات فقهية اجتهادية جديدة مطلوبة ومراعية لأوضاع مجتمعية عربية جديدة مختلفة عن المجتمعات العربية القديمة، بتزويج البنات والأولاد قبل سن السادسة عشر أو حتى الثامنة عشر. إن ذلك يبقى للمرأة العربية مجالا مفتوحا للالتحاق بالتعليم الجامعى أو القدرة على الالتحاق ببرامج التدريب فيما لو اضطرتها الظروف أن تدخل سوق العمل بسبب تعثر الزواج أو حاجة العائلة لمزيد من الإمكانيات المادية الضرورية.

ما عاد من المعقول فى زمن تضعف فيه الروابط العائلية والتزامات أفرادها تجاه البعض الآخر أن لا يصار بالنسبة إلى نظام الميراث إلى استعمال فقهى وقانونى عادل إنسانى لما جاء فى الآية القرآنية الكريمة: « كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين».

ولما كانت كلمة الأقربين حسب الإمام الشافعى تعنى من بين ما تعنيه الذكور والإناث، الوارثين أم غير الوارثين، فان الآية إذن تجيز الوصية لوارث ولغير وارث ومنهم البنات والزوجة والأم كجزء من حق الإنسان فى التصرف بماله خلال حياته كما يشاء ويريد، ولكن بالطبع ضمن أسس عادلة أكدتها الآية الكريمة بالتوجيه عن عدم الميل عن طريق الحق أى طريق العدالة فى الوصية، ويمكن أن يفصُل كل ذلك الفقه أو القانون.

ولا يسمح المجال هنا للدخول فى الخلافات الفقهية، بين المذاهب والفقهاء، حول نسبة ما يوصى به ومن يشمل، وذلك بالاستناد إلى حديثين احاديين، وبالتالى ضعيفين، يتعارضان مع هذه الآية الكريمة، التى فى مقاصدها الكبرى، تمثل قمة السماحة والعدل والرحمة الإلهية.

وينطبق الأمر على الحاجة الملحة لمراجعة وتجديد الفقه المتعلق بتعدد الزوجات والطلاق وختان المرأة وحضانة الأطفال وحقوق أطفالها فى الجنسية وحقوق المواطنة عند زواجها من أجنبى..... مراجعة وتجديد يرفعان عن المرأة الظلم والتزمت الجاهلى والفقهى وابتزازها من قبل تلك الجهة أو تلك وجعل الأم مساوية للأب فى الحقوق والواجبات بندية كاملة فى مؤسسة العائلة.

***
ولقد كتب الكثير الكثير من قبل كتاب إسلاميين مستنيرين حول تلك المواضيع وأبرزوا كيف أن الفقه الإسلامى امتلأ بالأحاديث الكاذبة على نبى الإسلام (صلعم) أو الأحاديث الأحادية الضعيفة والقراءات والاجتهادات الفقهية التى اعتمدت على علوم وتجارب حقب تاريخية لا ارتباط لها بالعصر الذى نعيش.

عندما تجرى تلك المراجعات الفقهية المبنية على المقاصد الكبرى للدين الإسلامى الحنيف، فى قرآنه وأحاديث نبيه الصحيحة المؤكدة العلنية، مقاصد الحق والقسط والعدالة والرحمة والمساواة فى الكرامة الإنسانية، وتخرج المرأة العربية من سجون العادات البدوية الجاهلية الظالمة البدائية، كما أرادت ثورة الإسلام العظيمة الكبرى، وتتخلص المرأة العربية من آلام وأحزان وقساوة حياتها الشخصية التى تضعفها وتنهكها، عندما يتم ذلك سنكون قد ساعدنا المرأة العربية لإكمال مسيرة نضالاتها الذاتية، جنبا إلى جنب مع الرجل، فى حقول السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة، نضالات مبهرة قامت على جهود وإبداع وتضحيات المرأة فى الماضى وستقوم عليها فى المستقبل.


مفكر عربى من البحرين
علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات