عن «الجامعة» والأمل فى المستقبل! - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الإثنين 12 مايو 2025 4:11 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

عن «الجامعة» والأمل فى المستقبل!

نشر فى : السبت 10 مايو 2025 - 8:05 م | آخر تحديث : السبت 10 مايو 2025 - 8:05 م

 

(1)

بدعوةٍ كريمة وحفية من الأستاذة الدكتورة علا عادل نائب رئيس جامعة الملك سلمان الدولية، وفى واحدٍ من أهم اللقاءات التى جمعتنى بطلاب وطالبات المرحلة الجامعية من تخصصات مختلفة (علمية وإنسانية وتطبيقية؛ يدرسون الآداب واللغات والسياحة والضيافة والعمارة… إلخ)؛ أمضيت قرابة الساعة ونصف الساعة فى حوارٍ ممتع ورائع ونقاش مثمر حول ضرورة الوصل بين التخصصات العلمية «التطبيقية» والعلوم الإنسانية؛ وذلك كتمهيد للحديث عن «الأدب المصرى» بمعناه الشامل والتاريخى الذى يمتد لأبعد نقطة فى تاريخ مصر القديمة وحتى أدبنا المعاصر.

لقاء ضم طلابًا وطالبات من تخصصات مختلفة، وبحضور كوكبة من أساتذة الكليات وأعضاء هيئة التدريس؛ على قدرٍ عال من الكفاءة والنشاط والحيوية، رأيت تنظيمًا عاليا، وحماسة صادقة، ونشاطًا ثقافيًا ومعرفيًا حقيقيًا (وليس شكليا أو «برو عتب» كما نقول).

لا أخفى سعادتى ولا إعجابى بالطريقة التى صممت بها برامج الدراسة بالجامعة لتلبى احتياجات الواقع المعاصر، وسوق العمل، وتهيئة الخريجين والخريجات وإعدادهم بصورة تجعلهم يلتحقون بهذا السوق وهم ما زالوا طلابًا بعد! لفتنى بشدة الوعى بضرورة ردم الفجوة الهائلة التى تكرست طوال عقود بين الدراسة العلمية والأدبية، بين التخصصات العلمية الدقيقة والعلوم الإنسانية والاجتماعية، والنظرة إلى أشكال الإبداع الفنى والجمالى.

(2)

ذكرنى هذا اللقاء الاستثنائى بما سبق وأن قلته فى محاضرة سابقة لى عن (مشروع طه حسين الإصلاحى)، وكان مما استهللتُ به محاضرتى، وأكدت عليه مرارًا وتكرارًا، أن التعليم عند طه حسين لم ينفصل لحظة عن «الثقافة» ولا «الثقافة» يمكن أن تنفصل عن التعليم، وكلاهما يشكلان لُبَ السعى إلى «المعرفة» بمعناها العصرى الحديث؛ المعرفة من حيث هى ثروة وقوة واستثمار وكل شىء!

قلتُ بالحرف الواحد إن طه حسين كان وزيرًا للمعارف العمومية، ولم تكن هناك وزارة للثقافة ولا هيئات ومؤسسات مستقلة للترجمة والنشر، كانت كل هذه الأمور ضمنًا تقع ضمن مسئوليات الوزير! فكان هناك إدارة للثقافة، وإدارة للترجمة، وثالثة للبرامج والتخطيط؛ ورابعة للمنح والمشروعات… إلخ، ومن لا يصدقنى يمكنه مراجعة بيانات وإحصاءات وإنجازات عامين فقط قضاهما طه حسين وزيرا للمعارف العمومية.

الأمران متلازمان ولا انفصال بينهما؛ وحدة العلوم الإنسانية، وبينية المعرفة، وتداخل الاختصاصات وليس انعزالها أو انقطاعها عن بعضها البعض، والآخر هو التكوين العلمى فى حده الأدنى للباحثين فى العلوم الإنسانية، وهذا وحده يطول فيه الكلام ويتشعب، والحديث ذو شجون ومرارات.

«الثقافة» هى عدتنا وعتادنا فى رحلتنا نحو المستقبل‏، ولا ثقافة بغير تعليم،‏ فإذا أردنا أن نصلح الثقافة فلنبدأ بإصلاح التعليم أولًا وقبل كل شىء آخر!

(3)

كنتُ -وما زلتُ- على قناعتى بأن إصلاح أحوالنا جميعًا وعلى كل المستويات يبدأ وينتهى من «التعليم»!

بُحّ صوتى، وغيرى، ونحن نصرخ وننادى بأن السياسة التعليمية -فى أى بلد من البلدان- يجب أن تعكس طموحات ذلك البلد فى أن تكون له مكانته الخاصة واللائقة فى هذا العالم الذى أصبحت الأشياء فيه تقترب من بعضها إلى درجة تهدد الفوارق والاختلافات الضرورية فى بناء «الهوية»، وهى نفسها الضرورية فى تحقيق الاستقلال التاريخى والوطنى.

السبيل إلى ذلك فيما أتصور هو «التعليم الحر»؛ التعليم الذى يكرس ويدعم العقل النقدى لدى الطلاب والطالبات، وقدرتهم على ممارسة التفكير النقدى الحر، والقدرة على تفكيك الظواهر وتحليلها، وإبداء التفسيرات حولها.

تعليم يكرِّس ثقافة السؤال أساسًا، ويعلم الطلاب «الشك» طريقًا للوصول إلى الحقائق العلمية، وهو «تفكير حر» لأنه لا يخلط بين الإيمان الدينى الفردى، وبين النظريات العلمية القابلة للدحض، ولا يخلط بين «الفكر» والعقائد الدينية، وبين التطورات العلمية، لأنها متغيرة، ومتحولة.

العقل الحر للأستاذ يعنى الانفصال عن ثقافة الحفظ والاستذكار، والأسئلة والإجابات الجاهزة، والملخصات والدروس الخصوصية. المعلم يشكل الضلع الأساس فى تحويل المناهج إلى فعل تعليمى خلاق. والضلع المهم فى عملية إنتاج العقل الحر، والفكر الحر النقدى، هو خطاب الطالب الفعال كطرف فى العملية التعليمية، وليس محضُ مستهلك سلبى للمقررات. مشاركته فى الحوار، وتبادل الآراء مع المعلم أو الأستاذ، والأهم رأيه النقدى فيما يدرس، والإدارة التعليمية فى المدرسة والجامعة (أو أى مؤسسة تعليمية أيا كانت).

(4)

هذا واحد من أحلامى؛ أن تستعيد الجامعة أدوارها كبيئة خصبة لتنمية المهارات واكتشاف المواهب وإنتاج المعرفة؛ وليس مجرد مؤسسة تمنح صكوك التخرج وشهادات الاعتراف، وكان الله بالسر عليمًا!

الجامعة التى حلم بها طه حسين، وجيله من الرواد، ومن تلاميذهم، وتلاميذ تلاميذهم؛ هى التى تقود قاطرة التقدم، والانطلاق نحو المستقبل! الجامعة التى لا تنعزل وراء الأسوار، ولا تكون أسيرة البيروقراطية والأفق المحدود والدوائر المنعزلة؛ بل تكون الجامعة التى تنفتح على الواقع والمجتمع، وتعى أدوارها المعرفية والاجتماعية والإنسانية؛ الجامعة التى تُعنى بالبشر قبل أن تَبنى الحجر!

أتمنى لكل أعضاء هيئة التدريس وطالبات وطلاب الجامعة وإدارتها المسئولة كل التوفيق والسداد وأن يكونوا فى طليعة الجامعات العربية والعالمية، وأن تتوسع جامعاتنا المصرية والعربية بأسرها، ويكون لها حضور وفروع فى كل مكان فى العالم.