الغذاء فى السياسة الخارجية - صحافة عالمية - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:44 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الغذاء فى السياسة الخارجية

نشر فى : الإثنين 10 أكتوبر 2016 - 10:00 م | آخر تحديث : الإثنين 10 أكتوبر 2016 - 10:00 م
نشر موقع «Eــ International Relations (EــIR) مقالا لـ «جوهانا مندلسون فورمان» المستشارة بمعهد ستيمسون بواشنطن حول علاقة الغذاء بالسياسة، وتأثره بالصراعات والاضطرابات داخل المجتمعات، بل واستخدامه كقوة ناعمة وكسلاح هام أثناء الحروب وغيرها من الاستخدامات والأدوار الحديثة التى يقوم بها الغذاء.

تبدأ «فورمان» بالإشارة إلى ما نشهده من ثورة فى الغذاء بما فى ذلك الوسائل التكنولوجية الحديثة، والتى من شأنها تغيير الطريقة التى يأكل بها العالم وتحسين نوعية ما يتم إنتاجه من أطعمة. ولكن رغم كل ذلك نعيش فى وقت يصاحبه تحديات عديدة فيما يتعلق بالأمن الغذائى، والعمل من أجل تقليل معدلات الفقر والجوع العالمية، والتى تزداد صعوبة بفعل الصراعات الحالية «سياسيةــ اقتصادية...» وتغير المناخ والمدنية. وكل ذلك يجعل العالم يُغيِر منهجيته حول هذه المشكلة، والتى كانت تتمحور فقط حول إيجاد طرق جديدة من أجل زرع محاصيل أكثر لسد احتياجات الأفراد فى جميع أنحاء العالم، إلى التطرق للدور الجديد للغذاء الذى يلعبه والذى يمكن من فهم التحولات السياسية الدراماتيكية فى العلاقات الدولية.

من جهة أخرى لم يعد الغذاء مكانه فقط المطبخ، بل بدأ يتفاعل بشكل أكثر مع التنمية، من أجل إنتاج أطعمة ومحاصيل تستمر حتى مع الأزمات وتغير المناخ. ويعكف الخبراء والاستراتيجيون العسكريون على العمل مع العلماء المتخصصين والقطاع الخاص من خلال وضع استراتيجيات وخطط من أجل إنتاج سلاسل غذائية ذات قيمة دولية، وذلك لمنع المزيد من عدم الاستقرار فى الدول التى تعانى بالفعل من الحروب. فى السياق ذاته، يحاول الطهاة وناقدو الغذاء دوما البحث عن طرق، مستحضرين المعرفة والخبرة التى لديهم من أجل إعداد أطعمة واستخدامها كأداة للخير الاجتماعى. وغالبا ما تسعى هذه المشروعات إلى التخفيف من حدة الجوع فى العالم، من خلال زيادة الإنتاج المستهلَك الذى بدوره يؤدى إلى وصول المزارعين إلى الأسواق بشكل أكبر.

الغذاء والأمن القومى:

تشير «فورمان» إلى دخول الغذاء دائرة الأمن القومى؛ ففى عام 2015، أصدر مجلس الاستخبارات الوطنى الأمريكى، تقريرا عن الغذاء باعتباره من المؤثرات على الأمن القومى. ولكن فى الوقت ذاته لا توجد علاقة سببية مباشرة بين الغذاء واندلاع الصراعات ولكن فى الوقت الحالى، يتم التأكيد على أن انعدام الأمن الغذائى، يعد عاملا مؤثرا يؤدى إلى تفاقم الصراع، بالإضافة إلى مسبباته الأخرى «السياسية والاقتصادية والاجتماعية..». وبالطبع من لديه القوة والسلطة هو من يحدد الذى يمتلك الأراضى والمصادر من أجل شراء الأطعمة. لكن نقص الطعام قد يكون نتيجة للصراع. وأما فيما يتعلق بالإمدادات التى يتم إرسالها إلى الدول الخارجة من صراعات فغالبا ما يأتى الحديث هنا عن قدرة الدولة فى عدم توفير الحاجات الأساسية لمواطنيها.

يعد الغذاء من أهم الأسلحة التى يتم استخدامها أثناء الحروب، ويعد ما نشهده خلال الصراعات الدائرة بسوريا وجنوب السودان واليمن، خير دليل على ذلك، وما يتم من حجب للمساعدات الإنسانية عن المدنيين والتضييق عليهم واصطفافهم بطوابير فى انتظار للإمدادات الغذائية، والتى بات منعها عن عمد يعد جريمة حرب. ويذكرنا ذلك بما حدث إبان الحرب العالمية الثانية عندما حاصر النازيون مدينة لينينجراد الروسية، ومنعوا عنها وصول أى إمدادات لقرابة عام، مما نتج عنه مقتل أكثر من 700 ألف شخص جوعا.

الغذاء والدبلوماسية:

يعد الغذاء أداة للإقناع بل وللتملق من أجل تحقيق الأهداف فى أحيان عديدة، كما يعد واحدا من أقدم أشكال القوة الناعمة. وقد يكون الغذاء وسيلة لخلق التفاهم والتقارب بين الثقافات المختلفة، ومن ثم تحقيق التعاون بين هذه الثقافات فيما بعد خاصة عند ترك انطباعات إيجابية لدى من تمت استضافتهم. ورغم زعم فرنسا أنها تعد المنشأ لذلك النوع من الدبلوماسية إلا أنه يرجح أنها تعود إلى العصور القديمة؛ كعصر الإمبراطورية الرومانية وعصر النهضة بإيطاليا. وتعتمد الولايات المتحدة بشكل كبير على دبلوماسية الطهى «الغذاء» فتتعمد دعوة أمهر الطهاة لديها خاصة عند استضافتها لزيارات من قبل أبرز الزعماء الدوليين، فضلا عن إرسالها لأفضل الطهاة إلى سفارات عدة حول العالم، من أجل تسليط الضوء على مواهب الطهى لديها، إضافة للمطاعم والمطابخ التى تفتتحها الجماعات العرقية، من أجل تعريف المواطنين الآخرين بأشهر الأطباق لديهم، مما يعزز أيضا من تقارب الثقافات والحوار بينهم.

الغذاء والعلامة التجارية:

تحاول دول عديدة تسليط الضوء على أهم المأكولات والأطباق لديها، كنوع من استخدامها كتراث ثقافى لديها، من أجل جذب الاهتمام ولفت أنظار المجتمع الدولى لديها، والذى ينعكس بشكل كبير على السياحة أو زيادة الصادرات الزراعية، ككوريا الجنوبية والمكسيك وبيرو، وفى الآونة الأخيرة، انتهجت الأسلوب ذاته اليابان والهند وإندونيسيا. ويظهر ذلك بشكل كبير عندما تكون الصورة المعروفة عن الدولة، أنها تعانى من الصراعات، وذلك لتغيير هذه الصورة السيئة من خلال التسويق لمأكولاتها وأطعمتها، وذلك كما فعلت بيرو لتغيير الصورة السلبية المرتبطة بها كمنطقة للصراعات والاضطرابات.

الغذاء والأعمال الاجتماعية:

خلال الآونة الأخيرة، يقوم أصحاب رءوس الأموال بتأسيس مشروعات ترتبط بالطهى «مطاعم- فنادق...» وجذب الشباب إلى هذه المشروعات «خاصة من القرى والأحياء الفقيرة» من أجل المساعدة على خلق مستقبل مهنى جيد إليهم، من خلال إكسابهم مهارات جديدة متعلقة بالطهى، تمكنهم من تحسين مستوى معيشتهم والتغلب على مشكلة البطالة، فضلا عن قيام بعض المدن بتخصيص مساحات بها للطهاة، لتقديم الوجبات للمشردين من أجل التخفيف من حدة الجوع ومن يموتون جوعا. وفى هذا الصدد، تقوم العديد من المطاعم بإعادة تدوير الطعام «بقايا الطعام» وتقديمها للفقراء. فالغذاء يعد من أهم الوسائل التى يمكن أن يقدمها الطهاة الذين يرغبون حقا بمساعدة المحتاجين والمشردين، وبذلك يلعب الغذاء بشكل عام دورا اجتماعيا هاما لا يمكن إغفاله.

تختتم الكاتبة بأن ثورة الغذاء واحدة من الثورات التى لا حدود لها. فمن المستحيل الاعتقاد بأن الغذاء يمثل فقط عنصرا أساسيا من أجل البقاء؛ بل إن المجتمعات تفكر باستخدام الغذاء بطرق لم يكن يُنظر إليها أو حتى تخيلها من قبل؛ فوجدنا أن الغذاء يتم استغلاله لتحقيق أهداف دبلوماسية أو تجارية أو سياسية أو اجتماعية أو لتغيير صورة سلبية عن مجتمع ما أو لفت الانتباه إلى أحد المجتمعات، ومن ثم يأتى بنتائجه على السياحة والاستثمارات وغيرها من المجالات الحيوية بالدولة. وإجمالا فقد بات واضحا أن الغذاء لن يظل موضوعا هاما فقط داخل أروقة المطبخ؛ بل سيمتد الحديث عنه داخل قاعات الدراسة والمناقشات السياسية، وستبقى لغة الغذاء هى اللغة المشتركة التى يفهمها الجميع دون الحاجة إلى توضيح، وذلك يرجع إلى الاستخدام المختلف لهذه الأداة من قبل المجتمعات الحديثة.
التعليقات