ظلت صداقتى مع الأستاذ سامى السيوى، السينارست الذى رحل يوم 9 فبراير، صداقة افتراضية بوجه عام، ربما لم نتقابل فى الواقع سوى مرات قليلة جدا وكانت فى أغلبها مصادفات عابرة ولكن تعليقاته على صفحتى فى فيس بوك لم تنقطع أبدا واتسمت دائما بالخفة والطرافة، بالإضافة إلى دأب البحث والمعرفة ومن ثم فقد كانت التعليقات مفيدة دائما فى توجيه ذائقتى نحو أشياء أجهلها دون أن تكون متعالية أو ثقيلة الظل، وفى نفس الوقت عكست تلك التعليقات دماثة استثنائية وذائقة جمالية فريدة.
وذات ليلة التقينا فى عرض لفيلم (ستموت فى العشرين) للمخرج أمجد أبو العلا وتصادف أن جلسنا فى مقعدين متجاورين لذلك أتيحت فرصة لشرب القهوة بعد الفيلم على مقهى قريب ودار بيننا نقاش حميم، فكانت تعليقاته من أهم مداخل فهم الفيلم ومنطق السرد الذى قاد كاتب السيناريو لصياغة تحفة سينمائية فريدة.
ولأنه أحب الفيلم فقد تحدثنا طويلا عن كتابة القصة لدى حمور زيادة صاحب القصة الأصلية، وهو صديق عزيز وروائى متميز، ثم انتقلنا بالحديث إلى تجربة الاستاذ سامى نفسه فى الكتابة السينمائية، واكتشفت ليلتها أن أفلاما كثيرة أحببتها من تأليفه مثل (ليه يا بنفسج) و( الساحر).
وحكيت له كيف أن فيلم (ليه يا بنفسج) أضاء روحى لسنوات طويلة وضحك عندما علم بالمرة الأولى التى شاهدت فيها الفيلم وكنت لا أزال طالبا بالجامعة وذهبت مع أصدقائى لرؤيته فى نقابة الصحفيين وقت أن كانت لا تزال تحتفظ بمبناها القديم ويومها أصر منظم الأمسية التى شهدت عرض الفيلم على أن يقتصر العرض على أعضاء نقابة الصحفيين دون غيرهم لكننا لم نقبل بهذا ووقفنا نصرخ فى هرج ومرج ولما ظهر الراحل رضوان الكاشف طلبنا تدخله فأعلن بوضوح أنه لن يعرض الفيلم إذا لم نتمكن من الدخول.
استمع سامى السيوى لهذه الحكاية وقال (واضح أن النقابة عجبتك وقعدت بعد عرض الفيلم).
حكيت له أن أجمل ما فى الفيلم البراءة التى غلفت سلوك أبطاله الذين كانت تربطهم علاقة الصداقة، وكيف أن الفيلم لم يتعامل مع فكرة التهميش بالابتذال المعتاد، ولم يحول المهمشين إلى موضوع للاستعمال كما يفعل الآخرون، وحين وصل نقاشنا إلى فيلم الساحر الذى أراد رضوان الكاشف أن يسميه نظرية البهجة قلت له إننى رأيت فى الواقع سيدة تعمل حفافة وتشبه سلوى خطاب بطلة (الساحر)، فقال لى يا بختك حد طايل يشوف واحدة زى سلوى.
تجادلنا فى النقاش حول الواقعية السحرية لدى رضوان الكاشف ومصادرها الجمالية، وعلاقة ذلك بثقافة الصعيد وأوضح لى أن الخيط الذى أراد إبرازه فى الفيلمين متعلق بإظهار ثقافة التحايل على الفقر والاحتفال بأشكال الحياة فى أبسط معانيها معتبرا أن هذه البساطة هى مصدر الحيوية التى تهزم الفقر وتساعد البسطاء على مواصلة الطريق.
قلت له فى تلك الليلة صراحة أن ابتعاده عن السينما يتضمن ظلما للأجيال الجديدة لأنه يحرمها من سينما راقية ذات حساسية استثنائية وأعلنت أنه لم يأخذ ما يستحق من اهتمام، كما لم يحظ بالفرص التى تستحقها موهبته، إلا أنه تجاهل ما قلته وتجاوزه بابتسامة ثم تحدث عن حياته برضا نقل لى وجها من وجوه العدمية التى تقوده وربما هى ذاتها صورة من صور التسامى عن الصراع ومرارة المساومة ثقة فى موهبته الغامرة التى ظهرت فى الأفلام التى على قلتها ظلت قريبة، حنونة ومؤثرة كرفقة الأصدقاء القدامى.