التكنولوجيا وحاجات الإنسان الأساسية - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 8:38 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التكنولوجيا وحاجات الإنسان الأساسية

نشر فى : السبت 11 مارس 2023 - 8:35 م | آخر تحديث : السبت 11 مارس 2023 - 8:35 م

هناك موقف قد يكون الكثير منا شاهده فى الشارع ومر عليه مرور الكرام دون أن يلفت نظره، هذا الموقف يتلخص فى الآتى: ترى شخصا تظهر عليه إمارات الغنى والحياة المرفهة يسير بسيارته أو على قدميه ويرى شخصا يبدو رقيق الحال ومحملا بالهموم يسير على قدميه ثم يلقى بزجاجة أو ورقة فى الشارع، هنا الشخص الأول قد يوبخ الشخص الثانى على إلقاء القمامة فى الشارع، الشخص الثانى قد يسخر من الأول أو «حيشتمه»، لماذا؟ السبب الأول أن الناس لا تحب من يعطيها نصيحة مباشرة، السبب الأعمق والحقيقى أن الشخص الثانى «اللى فيه مكفيه ومش ناقص»، السبب العلمى هو أن الشخصين يتحركان فى مستويات مختلفة من هرم ماسلو، ما هو هرم ماسلو؟ هذا موضوع مقال اليوم، لكن يجب أن ننوه فى هذا المثال عن شيئين قبل الاسترسال فى هذا الحديث: الأول أنه فى أحيان أخرى يكون الشخص المرفه هو من يلقى بالقمامة فى الشارع أو يتلف ممتلكات عامة على سبيل الدعابة، هذا يدخل فى إطار الانحراف السلوكى وهو خارج نطاق حديثنا، الثانى أنه الشخص رقيق الحال قد يكون هو الذى يحافظ على الممتلكات ولا يلقى بالقمامة فى الشارع إلخ، وهذا معناه سمو فى الأخلاق كبير لأنه وعلى الرغم من مشكلاته قنع بالقليل ليصعد درجات هرم ماسلو بالرغم من احتياجاته.

بحث نشره عالم النفس الأمريكى أبراهام ماسلو سنة 1943 بعنوان «نظرية الدوافع البشرية» كان له تأثير كبير نحو فهم كيف يتخذ الإنسان قراراته وكيف تتأثر سلوكياته، البحث باختصار يقول إن الإنسان يتخذ قراراته تبعا لاحتياجاته وأن تلك الاحتياجات تأخذ الشكل الهرمى، أى أن الشخص لن يحتاج الأمور التى فى قمة الهرم قبل أن يشبع احتياجاته فى المستويات الأدنى من الهرم أولا.

هذه الاحتياجات الهرمية مكونة من خمسة مستويات. المستوى الأول (قاع الهرم) يمثل الحاجات البيولوجية مثل الطعام والشراب والنوم والمسكن إلخ، المستوى الثانى هو الحاجة الشعور بالأمان ويشمل ذلك الأمان النفسى والأمان من السرقة والاعتداء والأمان المادى أى المتعلق بالكسب، المستوى الثالث هو الحاجة للانتماء ويشمل جميع أنواع الانتماء من الأسرة إلى الأصدقاء بل وحتى النوادى والفرق الرياضية، المستوى الرابع هو الاحتياج للتقدير أى الشعور بأن الآخرين يقدروك ويقدروا عملك ويحترموك، أم المستوى الخامس (قمة الهرم) يمثل الحاجة إلى تحقيق الذات مثل انجاز مشروع كبير أو درجة علمية أو وظيفة مرموقة إلخ. لذلك لن ترى شخصا لا يجب قوت يومه (أى فى المستوى الأول من الهرم) يشغل باله بتشجيع فريق رياضى معين (المستوى الثالث).

ما علاقة هذا كله بالتكنولوجيا؟ العلاقة تدور حول بناء تكنولوجيا تسير على نهج هرم ماسلو لمساعدة الانسان فى الترقى فى درجات هذا الهرم.

البعض يرى أنه عند تصميم تكنولوجيا معينة لمساعدة الناس سواء جهاز إلكترونى أو خدمة معينة فإن هرم ماسلو قد يساعد على عمل تصميم أفضل للمنتج أو الخدمة. لنتخيل أن شركة ما تنتج جهازا إلكترونيا لتقوم ببيعه للناس، قد يكون هذا الجهاز تليفونا محمولا أو جهاز كمبيوتر أو أى شىء من هذا القبيل، لنحاول أن نرسم علاقة بين كل درجة فى هرم ماسلو بدءا من القاع وصفات هذا الجهاز حتى ينجح. إذا بدأنا بقاع الهرم فإن هذا الجهاز يجب على الأقل أن يعمل جيدا وبصورة تشابه ما أعلنته الشركة المصنعة، ثانيا هذا الجهاز يجب أن يكون آمنا تماما أى لا يسبب أية حوادث للمستخدم ولا يسرق معلوماته أو يضيعها مثلا، ثالثا الحاجة إلى الانتماء تنبع من وجود مجموعة من الناس يحس مستخدم الجهاز أنه منتمٍ إليهم، وهذا عمل خبراء التسويق وهو ما نراه الآن من وجود مستخدمى الآيفون أو الساعات الرولكس أو حتى نوع معين من الشاى مثلا ويتبع ذلك انتماء للشركة المصنعة مثل الأشخاص الذين يشترون أغلب أجهزتهم من شركة أبل مثلا، الدرجة الرابعة أن هذا الجهاز يجب أن يكون سهل الاستخدام ويجعل المستخدم يحس أنه خبير أو يجعله ينتج أعمالا أشبه بالخبراء مثل الكاميرات الحديثة فى الهواتف المحمولة وبرامج تحسين الصور التى تجعل الشخص العادى أشبه بمصور محترف، وأخيرا قمة الهرم أن هذا الجهاز يجب أن يساعد الشخص على تحقيق أحلامه، مثلا جهاز كمبيوتر قوى سيساعدك على تحقيق أحلامك الدراسية أو استخدامه لبناء مشروعك إلخ.

عندما ظهر هرم ماسلو لم تكن التكنولوجيا بالتقدم الذى نشهده الآن، حياتنا الآن أصبحت تعتمد كلية على التكنولوجيا حتى أن البعض أصبح يضع التكنولوجيا فى المرتبة الثانية فى هرم ماسلو أى مع الشعور بالأمان، هل هذا شىء جيد أم لا؟ الأيام ستقول لنا.

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات