أمريكا بندا فى خريطة الطريق - جميل مطر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 5:57 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أمريكا بندا فى خريطة الطريق

نشر فى : الخميس 11 يوليه 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 11 يوليه 2013 - 10:43 ص

لن نصل فى مصر إلى مصالحة وطنية ونهاية سعيدة للمرحلة الانتقالية إلا إذا تحرر السياسيون المصريون والجهاديون، الأنصار منهم والمعارضون، من عقدة الحاجة المستمرة لإرضاء أمريكا والخوف المرضى من غضبها.

 

قضينا أياما غالية، بالدماء التى أريقت والأرواح التى زهقت والوقت الذى بدد. قضينا أياما نتمرد ونثور ونعد بيانات ونحشد القوات والناس ونراقب الحشود المتجمعة فى ميادين العاصمة والمدن الأخرى، نصورها ونقارن بين الصور. كانت معنا وهزتنا حتى الأعماق مشاعر الشعوب فى كل مكان وبخاصة الشعوب العربية، وكانت رسالتها واضحة وتوقيتها رائع. جاءت تبلغنا أن «ثورتكم أيها المصريون مستمرة كما كنا نأمل، وسنقف معكم لوقف نزيف الكرامة والحرية والاستقلال الذى تتعرض له ثوراتنا كافة. هزتنا حتى الأعماق قوة المشاعر وصدق المؤازرة فزادت قامتنا علوا وتضاعفت حماستنا واستعدنا ثقتنا فى القدرة على التغيير بأعمال ثورية فى حال تعطلت قدراتنا الدستورية. عشنا لحظات رائعة ونحن نرى الوطن يتفتق عن إبداع جديد. ومع ذلك، وفى وسط تلك اللحظات الرائعة، كانت عيون وآذان كثيرة ترصد بتوجس وشكوك تصريحات وأفعال فريق ثالث فى مكان بعيد، ترصدها فى عواصم الغرب وبخاصة فى واشنطن. كثيرون بين المبتهجين والغاضبين انشغلوا عن أفراحهم وأتراحهم برصد مواقف الولايات المتحدة والرسائل الفاضحة التى لم تتوقف قناة CNN عن بثها فى لحظات حاسمة.

 

●●●

 

آن لهذه الحالة من الارتهان أن تنتهى. لا ننكر أو نتجاهل حقيقة أن قوى السيطرة والهيمنة العالمية غيرت أساليبها. هذه القوى لا تمارس الاحتلال المباشر لفرض التبعية المطلقة ولا تبعث بأساطيلها ومدافعها لدك الحصون وإجبار الحكام على توقيع وثيقة خضوع وخنوع ولا تحاصر قصور السلطة لإجبار المسئولين على تغيير عقيدتهم الاقتصادية فيغلقون المصانع أو يستبدلون زراعات بزراعات أخرى.

 

هى الآن تحاصر الفرد فهو الهدف وليس الدولة. تضغط عليه بأساليب مبتكرة فتصنت على اتصالاته لتسيطر على مكامن حياته الشخصية من أسرار وأفكار وطموحات، وإن تمرد أحد عملائها أو استيقظ ضميره وهاله ما فعله بغيره من بنى البشر الآمنين فى بيوتهم انقضت عليه حكومة دولة عظمى وأجهزة أمنها مثلما تفعل مع المجرمين العتاة أو الارهابيين القتلة. هكذا تعاملت مع الشاب إدوارد سنودين. لم تراع مكانة إيفو موراليس رئيس بوليفيا ولا حرمة طائرته ولا اعتبارات القانون الدولى فطاردته فى أجواء عديد الدول الأوروبية حتى حط بطائرته مرغما فى النمسا مقرا أمام العالم بأسره بأن القوى الدولية المتسلطة لم تعجز عن ابتكار اساليب حديثة لممارسة الهيمنة والطغيان على الشعوب والحكام الأضعف.

 

●●●

 

نحن أيضا، متمردين كنا أم ثوارا أم مجاهدين أم دعاة ومبشرين أم مواطنين أثرياء وفقراء وعسكريين ومدنيين، نقر ونعترف أن مصر تعيش منذ ثلاثين أو أربعين عاما دولة مرتهنة لدى الولايات المتحدة الأمريكية. أكثرنا، وبيننا من يصدر أصوات ثورية ويتصرف تصرفات غاضبة ويضيق بحال بلده المتدهور وقد يشكو من وضع التبعية والانكسار، وبيننا من استسلم فتوقف عن الشكوى وامتنع عن الغضب، هذا وذاك يتعامل مع الهيمنة الأمريكية على مصر باعتبارها قدرا محتوما وعنصرا ثابتا كالنيل والصحراء وغيرهما من العناصر التى تشكل أصالة مصر وديمومتها، عناصر لا يسعى أو يحلم الانسان المصرى بتغييرها. أشك فى أن أحدا من المسئولين فكر خلال العقود الأخيرة، أو يفكر الآن، فى ضرورة إدخال تغيير على العلاقة المصرية الأمريكية. أشك فى أن أحدا قدر له أن يحمل هذه الأيام عبء التخطيط لنهضة مصر ومستقبلها سوف يخطر على باله أن يضع علاقتنا بالولايات المتحدة بندا أو محطة أو قمة منحنى فى خريطة طريق يجرى حاليا رسمها.

 

أتساءل، إن كان حقا جائزا لقادة أو نخبة حاكمة رسم خطة قصيرة أو طويلة الأمد تهدف إلى وضع الأسس لدولة متحضرة ومستقلة ومنتجة بينما تجد نفسها مقيدة الحركة والإرادة بنصوص معاهدة دولية، ومرتهنة بشروط واقع تفرضه معونة سنوية منتظمة، ومكبلة تكبيلا لا يرقى إلى إحكامه الشك بخرائط وقواعد كافية فى حد ذاتها لهتك أواصر الرابطة التى ربطت لآلاف السنين شبه جزيرة سيناء بالوطن الأم. مصر عاشت مقيدة أربعين عاما فى علاقة غير عادية مع دولة عظمى قبل أن تنشب ثورة شعارها الكرامة، كرامة الوطن وكرامة المواطن، وها هى تنطلق بكل النوايا الطيبة لترسم معالم طريق تقدمها، فإذا بها تجد نفسها مكبلة. هل ترسم وهى مكبلة فتكون النتيجة خريطة لأربعين عاما أخرى لا تختلف عن الأربعين عاما الماضية؟ أم تقرر أن يكون فك القيود وتحرير الإرادة بندا أساسيا من بنود بناء هذا المستقبل.

 

من حق هذا الشعب الذى قاسى الأمرّين أن يعرف أن المحصلة النهائية للسياسة الخارجية الامريكية فى باكستان وافغانستان والعراق وتونس وسوريا وفلسطين واليمن على امتداد العشرين عاما الأخيرة كانت بكل الحسابات والمعايير كارثية بالنسبة لشعوب هذه الدول. هذا الشعب من حقه أن يطلب من قادته الجدد وقادة الولايات المتحدة تقديم كشف حساب عما جنته شعوب الدول التى خضعت لتجارب أمريكية لإقامة أنظمة حكم تلتزم مناهج ما أطلقت عليه الإسلام السياسى وشعوب خضعت لتجارب أخرى فى الاقتصاد والهندسة الاجتماعية. من حقه أيضا أن يطالب قادته والقادة الأمريكيين أن يعيدوا النظر فى العلاقة الأمريكية المصرية والتفاوض لإقامة علاقة مختلفة على أسس تضمن احترام كرامة مصر والمصريين.

 

●●●

 

لن تهدأ أزمتنا الراهنة أو تجد حلا لها طالما استمرت القوى السياسية ترفض مناقشة جميع الآثار المترتبة على ممارسة هذا النمط من العلاقة بين مصر والولايات المتحدة، وطالما استمرت ترفض أى فكرة أو نداء يدعو إلى إزالة صفات الديمومة والقدسية والاستثنائية عن هذه العلاقة. أتمنى أن يسفر عن خريطة الطريق ما يضمن للمصريين عدم تكرار المشهد المؤذى للكرامة والوطنية المصرية، مشهد مسرح العرائس حيث احتشدت أجهزة فى واشنطن خلال الأسبوعين الأخيرين ممسكة بخيوط تحاول بواسطتها تحريك دمى فى مصر، ونشطت دمى فى مصر تستعجل التحريك. 

جميل مطر كاتب ومحلل سياسي