عرف الادب الروائى الفلسطينى خلال السنوات الاخيرة حالة من الازدهار انعكست على خارطة الجوائز التى شهدت بدورها حضورا فلسطينيا مائزا وتمثيلا يعبر عن تنوع لافت فى الأجيال وفِى الخطابات التى يمثلها هذا الادب، سواء جاء من داخل الاراضى المحتلة أو من خارجها فى رام الله أو غزة أو مدن الشتات.
وصار القراء المهتمون على معرفة بإنتاج متعدد تبرز فيها اسماء مثل إبراهيم نصر الله وسحر خليفة ويحيى يخلف وليانة بدر ومحمود شقير وربعى المدهون وصولا لجيل عدنية شبلى وعلاء حليحل.
وميزة هذا التنوع أنه حرر الادب الفلسطينى من صورته النمطية كأدب مقاوم وملتزم، حدث ذلك بالتزامن مع تغير مفاهيم الالتزام، وذهب الروائيون اكثر باتجاه تأمل الذات الفردية وما تعانيه فى ظل الانتهاك اليومى الذى يمارسه الاحتلال الإسرائيلى وصار بالإمكان إدراك معاناة الفلسطينى من سرديات الحياة اليومية البسيطة وليس عبر الشعارات واللغة النضالية وحدثت عمليات غوص جماعى فى الذاكرة الشخصية لتقديم الروايات المقاومة للرواية الإسرائيلية حول ما جرى وما يجرى.
وبين الروائيين من ينشغل بهوية الفلسطينى فى الشتات مثل ربعى المدهون أو بتحديات وجودها فى الداخل مثل محمود شقير.
وهناك أيضا من يعتنى بهوية النساء وقضايا النوع (الجندر) فى الممارسة اليومية مثل ليانة بدر التى تطرح روايتها الجديدة (الخيمة البيضاء، الصادرة عن هاشيت انطوان فى بيروت، ٢٠١٦) أسئلة بالغة الأهمية حول ما نحتاج لمقاومته داخل عقولنا وارواحنا لنتمكن عبره من مقاومة المحتل وما تطرحه الرواية جرىء فى الإشارة لواقع الانسان المقهور والمهدور ــ لو استعملنا تعبيرات الباحث اللبنانى مصطفى حجازى ــ ونفسية المقاومة.
لا تحتاج ليانة بدر لأكثر من رواية أحداث يوم واحد فى حياة ابطالها وبطلاتها لنعرف الكثير عما يجرى فى فلسطين اليوم، سعيا لتقديم صورة واقعية حيث لم الصراع قائما فقط فى حدود المعادلة القديمة بين المحتل واصحاب الارض، بل أضيف إليه صراع جديد بين قيم ثقافية وفد بها القادمون من الشتات سواء كانوا من الأفراد أو من منظمات المجتمع المدنى التى خاض ممثلوها صراعا مع قيم أخرى تضرب بجذورها فى الارض.
وتظهر الرواية بحساسية بالغة خلفيات هذا الصراع وتجلياته بنمط من الكتابة يقوم على تجاور الروايات وليس على تعدد الاصوات فهى بامتياز. رواية المرايا المتجاورة، فما ترغب الكاتبة فى إظهاره هو التشظى الكامل، فلا وجود لرواية مكتملة يدعيها أى طرف ومن ناحية لا يمكن النظر للرواية كرواية أجيال، فمع حرصها على إظهار اختلاف الرؤى واتساع المسافة هناك أيضا سعى لعلاجها، ف(نشيد) التى تبدو كمرثية هى الصوت الموازى لعاصى فى الإصرار على صورة المناضل المثال الساعى لملء فراغ ذكراته القديمة ويتمسك بظل أشجاره، بينما تمثل بيسان وخالد التعبير الخلاق عن اللحظة بشروطها الجديدة وهى لحظة مقاومة ايضا.