دور السنة فى الحرب على داعش - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:38 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دور السنة فى الحرب على داعش

نشر فى : الأربعاء 11 نوفمبر 2015 - 12:30 ص | آخر تحديث : الأربعاء 11 نوفمبر 2015 - 12:30 ص

نشرت مجلة ديفينس وان الأمريكية مقالا يبحث فيه كاتبتاه، «ليزا بليدز» أستاذ العلوم السياسية المشارك فى جامعة ستانفورد و«مارثا كرينشو» زميل فى معهد سبوجلى فريمان للدراسات الأمنية الدولية والتعاون الدولى بجامعة ستانفورد، عن دور السنة فى مكافحة العراق لداعش، مقسمين مواقف الطوائف السنية من النظام وداعش. وتبدأ الكاتبتان المقال بدعوة الكاتب «ديفيد إجناشيوس» إلى المصالحة بين العراقيين السنة والشيعة والأكراد، للاتحاد أمام داعش، مبينتين أن تلك الدعوة تبسيط مبالغ فيه للاتفاق الذى ينبغى عقده.
فلا شك أن إجناشيوس محق فى إدراك أهمية الإرث التاريخى فى ظهور داعش. وهو أيضا محق فى انتقاد تبنى «حل الـ 80 فى المائة» لإعادة إعمار العراق بعد الغزو الذى قادته الولايات المتحدة عام 2003، حيث، كما يقول فى مقاله أخيرا عن جذور داعش «سوف يبنى الأكراد والشيعة الدولة الجديدة بغض النظر عن معارضة السنة الذين يمثلون 20 فى المائة من السكان. «وربما دفع الاستبعاد بعض السنة إلى دعم تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق».
وقد أشاد الرئيس الأمريكى باراك أوباما بإعلان رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى «التزامه بحكومة شاملة توحد بين الشيعة والسنة والأكراد». وقال سفير العراق لدى واشنطن، لقمان عبدالرحيم الفيلى، لإجناشيوس إن الآلية التى من شأنها إنجاح مثل هذا العمل، تطبيق نظام فيدرالى يمكن أن يعطى بعض السنة «حصة فى اللعبة».

***
وتشير الكاتبتان إلى أن التركيز على الانقسام السني ــ الشيعي ــ الكردى يحجب الانقسامات داخل السكان السنة العراقيين. وهو بذلك يبسط الصفقة السياسية التى ينبغى إبرامها من أجل كسب الحرب ضد داعش، حيث لا توجد رؤية سنية واحدة للحكم المركزى فى العراق. وسوف تعتمد إلى حد كبير على كيفية إدارة نظام مستقبلى. والمعروف أنه لا يعانى انقساما فطريا كبيرا على أسس عرقية وطائفية، بينما يتمزق حاليا على أسس عرقية وطائفية. ويعتبر فهم هذه الانقسامات أمرا بالغ الأهمية فى تحديد الحلول السياسية التى من شأنها أن تدمج المصالح القبلية والإقليمية، سواء فى نظام فيدرالى أو ترتيب آخر.
وكان غرب العراق، على سبيل المثال الذى تتمتع فيه داعش بوجود قوى، لا سيما محافظة الانبار، بعد أن استولت على مدينة الرمادى هذا الصيف. يمثل لفترة طويلة تحديا للحكومة العراقية فى بغداد. ويمكن اعتبار ذلك ميزة وعيبا فى نفس الوقت. فلا تعتبر سيطرة داعش على الأنبار آمنة بالضرورة. حيث يتضح من وثائق تابعة لحزب البعث، تم العثور عليها بعد الغزو الامريكى فى عام 2003، أن من الصعب حتى على صدام حسين فرض إرادته السياسية على الشعب فى غرب العراق، على الرغم من اشتراك أهله فى الهوية الطائفية مع النظام السنى الحاكم. وقدر أدركت الولايات المتحدة بعد 2003 أن هذا الوضع يصعب عملية حكم المنطقة سواء بالنسبة لحكومة بغداد، أو داعش، أو أى طرف آخر. وتعتمد داعش على الوحشية المتطرفة للحفاظ على السيطرة، لكنها قد تواجه مقاومة، تماما كما حدث لصدام، حتى لو استطاعت أن تبقى على نظام الخلافة الذى ادعته لنفسها.
وتعتبر الكاتبتان أن حملة استعادة السيطرة على مدينة الرمادى الآن هى محور اهتمام الحكومة العراقية والولايات المتحدة التى تدعمها فى مكافحة داعش. وتحاول الحكومة العبادى الاستفادة من العداوات المحلية لحشد مقاتلى العشائر السنية من أجل مكافحة داعش (تماما كما قامت هذه القبائل بمقاومة تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق، أثناء زيادة عدد القوات الامريكية بداية من عام 2007). ولكن هذه المحاولة قد تتعثر بسبب مشكلات محبطة مألوفة: فالقوات المدعومة من الحكومة تعانى من نقص الموارد والمدربين إلى الحد الأدنى، مما يجعلها عرضة لهجمات داعش أو الانشقاق المحتمل من داخلها.

***
ويشير إجناشيوس أيضا إلى مشكلة أخرى فى المعركة ضد داعش: أن أى قوة عسكرية سنية «لابد أن تنطلق من قاعدة آمنة، وليس المقصود هنا قاعدة لوجيستية فقط، وإنما على أساس الثقة، التى يشعر من خلالها السنة أنهم يقاتلون من أجل جزء عراقى سيكون ملكا لهم بالفعل بعد هزيمة داعش. غير أنه من الممكن استمرار غياب ثقة أهالى غرب العراق السنة فى أى حكومة مركزية فى بغداد. ولا يرجع هذا إلى نفور السنة من الحكم الشيعى، والإقصاء الطائفى من جانب النظام العراقى الذى يقوده الشيعة، أو سوء السلوك من الميليشيات الشيعية، فقط. ولكن موقع غرب العراق على الحدود مع سوريا، والأردن، والمملكة العربية السعودية يجعل تهريب الأشخاص والبضائع صناعة مربحة للغاية هناك، والتحالفات السكان والمنافسات غالبا ما تتجاوز الحدود الوطنية. ونتيجة لذلك، تواجه البنية التحتية للدولة العراقية تحديا فى تلك المناطق، منذ فترة طويلة، حتى عندما كان السنة يتولون الحكم. ولا يمكن ضمان ولاء القبائل على المدى الطويل.
ومن وجهة نظر الكاتبتين، يوضح ما سبق أن السخط السياسى فى الأنبار له جذور تاريخية عميقة؛ أحد هذه الجذور تفضيل صدام رجال القبائل السنية من مسقط رأسه تكريت والمناطق المحيطة بها فى وسط العراق، شرق الأنبار الذين شكلوا العمود الفقرى لوحدات عسكرية تابعة له. فقد كان السنة من المدن الغربية التى تحتلها داعش الآن أقل حظا من تكريت، وفى التسعينيات كانت معاناتهم أشد من العقوبات التى فرضت على العراق بعد غزوه للكويت، وأضعفت التماسك الوطنى داخل العراق وداخل الطائفة السنية. ولا شك أن بعض القبائل الغربية الكبرى وقياداتها استفادت من علاقاتها مع صدام، الذى كان يدرك جيدا نفوذهم، وضرورة مغازلة انتماءاتهم. ولكن هذه التحالفات القبلية مع الحكومة المركزية كانت انتهازية، ولا تتميز بالعمق، وبمرور الوقت زاد سخط الشخصيات العراقية البارزة فى الغرب نتيجة معاناة قبائلهم. وبحلول غزو العراق، كان الفقر المدقع فى مدن الأنبار مثل القائم أكثر من ثلاثة أضعاف معدل الفقر المدقع فى تكريت، وفقا للمعلومات التى جمعها برنامج الغذاء العالمى التابع للأمم المتحدة.
وفى دليل أكثر تعبيرا عن تاريخ التذمر فى المنطقة، جاءت محاولات الإطاحة بصدام فى مرات متعددة خلال التسعينيات من السنة، فى الغالب، من الذين ينتمون للمحافظات الغربية. ففى 1995 ثار أفراد قبيلة الدليم ـ وهى من أكبر قبائل العراق، وتتمتع بنفوذ إقليمى قوى فى محافظة الانبارــ ضد النظام، بعد إعدام الجنرال محمد الدليمى، الذى كان متهما بالتخطيط لانقلاب ضد صدام، مع غير من ضباط ينتمون لنفس القبيلة. وفى عام 1996، اتهم ضباط على صلة بآل الدورى، وهى قبيلة كبيرة أيضا فى الانبار بمحاولة انقلاب. ومن المحتمل أن يكون هناك المزيد من محاولات الانقلاب لم يتم الإعلان عنها. ولا شك ان داعش تدرك استمرار هذا الاستعداد لتحمل المخاطر الشديدة من أجل التمرد ضد نظام لا يرحم، قادر على فرض عقوبات قاسية.

***
وتكشف الكاتبتان عن وجود قسم آخر داخل الطائفة السنية يركز على الفكر الصوفى، الذى يحظى بتأثير عميق فى الانبار أكثر منه فى أجزاء أخرى من العراق. وكان صدام يراقب عن كثب رجال الدين فى جميع انحاء البلاد، وأظهر تعداد رجال الدين العراقيين خلال التسعينيات، أن الانبار تضم أعلى نسبة من المساجد ذات التوجه الصوفى فى البلاد. وقد تم تأسيس جيش النقشبندية، وهى جماعة متمردة معروفة، بعد وفاة صدام حسين فى عام 2006 من داخل الحركة الصوفية برئاسة عزة ابراهيم الدورى. وفى بدايات صعود داعش انضمت الجماعة بشكل انتهازى إلى الجانب المنتصر، وتشكل تحالف غير متوقع من الصوفية البعثيين السابقين والمتطرفين السنة ضد النظام الذى هيمن عليه فى ذلك الوقت رئيس الوزراء الشيعى نورى المالكى. لكن الاتحاد لم يدم طويلا.
وتكشف العلاقات المعقدة ـ والمشوشة والمتناقضة بالفعل ـ بين البعثيين وداعش وجيش النقشبندية، هشاشة الولاءات السياسية فى الصراع على السلطة فى العراق. ومع ذلك، يشير موقف جيش النقشبندية كمجموعة قومية صوفية ذات وجود قوى فى غرب العراق، إلى أنه سيظل لاعبا مهما فى تأسيس النظام السياسى فى المنطقة. ولا شك أن هذه الجماعة لديها بالتأكيد القدرة على إفساد أى مفاوضات لتقاسم السلطة بين السنة والشيعة.

***
وتختتم الكاتبتان بأن استعادة الحكومة العراقية سيطرتها على تكريت فى نهاية مارس مثلت خطوة صغيرة لكنها ضرورية لضمان السيطرة على أراضى العراق. متوقعان أن تحقيق الانتصار فى الرمادى أمهما لمصداقية النظام، وخاصة إذا تم انجازه دون مساعدة من الميليشيات الشيعية. ولكن النصر العسكرى لا يؤدى بالضرورة إلى الاستقرار السياسى. واليوم أصبحت داعش الأقوى فى المناطق التى شكل فيها السنة فيها الغالبية العددية. ولعل الجانب المشرق فى الأمر، أنه نظرا لكراهية التاريخى للسلطة التى تتسم بها المنطقة، سوف تعانى داعش من أجل السيطرة على محافظة الانبار كذلك.

التعليقات