هذا فيلم مجهول تاه وسط تاريخ الأفلام رغم أهمية موضعه، وبالنسبة لنا هنا فإنه الفيلم المصرى الوحيد الذى يعترف فيه صاحبه بالصوت والصورة أنه مقتبس عن رواية مكتبية، وهى الرواية التى اقتبستها السينما 6 مرات ولا تزال، الغريب أن الفيلم بعيد تماما عن الرواية الفرنسية لو قسنا الأمر بما حدث فى فيلمى «أمير الانتقام» و«أمير الدهاء» وأن أكثر هذه الأفلام لم تذكر اسم المصدر الأجنبى، ومن الطرائف أن فيلم الظالم والمظلوم حسام الدين مصطفى 1990 م قد أشار أصحابه إلى أنه مأخوذ من نفس الرواية، ولكننا اكتشفنا فيما بعد أن الأصل هو فيلم هندى بطولة اميتاب تشان.
تعنى عبارة الاعتراف بالصوت والصورة أن المخرج وكاتب السيناريو سمير نوار قد علق بصوته أن جمال الحكايات أن تسمعها مرة ثم مرة ومرة أخرى وفى كل من هذه المرات تزداد القصة حلاوة وإثارة، وأن هذه القصة هى معالجة للكونت ديمونت كريستو.
سمير نوار هو كاتب سيناريو ومخرج لفيلم واحد فقط هو علامة معناها الخطأ ويبدو أنه قد استلهم روح الحكماء والواعظين ليتوقف عند كلمة الخطأ ويكررها ويشرحها أكثر من مرة وكأنها هى الهم الأساسى والنبراس الذى يجب أن يعيش عليها الناس، الخطأ الذى يمارسه الآخرون قد يدفع الشرفاء الثمن وفى بداية الفيلم يخرج الشاب من السجن بعد قضاء فترة العقوبة ويجد صديقته القديمة الصحفية كوثر فى انتظاره وتعرض عليه العمل فى الصحافة لكنه يصر أن ينتقم من الذين تسببوا فى دخوله السجن بعد أن كان مدير الحسابات وفازوا بما دبروا له خاصة حبيبته مديحة التى تزوجت من زميل لها من المتآمرين وصارت بدورها مديرة للحسابات.
المكان الذى تدور فيه الأحداث هو شركة تختلف تماما عن عالم البحار الواسعة التى عاش فيها أديمون دانت بطل الرواية الفرنسية الذى قضى فى السجن 15 عاما وخرج ليعثر على كنز جعله بالغ الثراء فانتقم ممن زجوا به فى السجن، من خلال ثروته وانتقم منهم جميعا دون أن يطلق رصاصة واحدة أو يحمل سيفا ضد أحد فيما يسمى بالانتقام النبيل، من هنا يبدو الاختلاف الشديد من المصدر الفرنسى والمصدر المصرى، وأنا أرى أن المخرج قد وضع عينيه على فيلم دائرة الانتقام الإخراج الأول لسمير سيف 1977 أكثر من أى مصدر آخر فالحدوتة تدور فى مكان ضيق للغاية وهو مكتب الشركة التى كان يعمل بها ولا تزال مديحة تعمل هناك، والتشابه هنا يأتى من خلال أن حبيبته تزوجت من خصمه وأن المتهم البرىء قد أشهر السلاح ضد الجميع بما فيهم الشرطة كما أن عمر الحريرى الذى لعب دور ضابط الشرطة فى الفيلم المذكور كرر نفس الدور هنا وصار عليه أن يساعد الشاب من الانتقام من خصومه والقبض عليهم جمعاء، ولا نعرف لماذا يصر المخرج أنه يقوم بعمل معالجة عصرية لموضوع استهلكته السينما عشرات المرات، ويبدو أن نجاح دائرة الانتقام وقوة الحركة فيه التى عكست خصوبة سمير سيف كانت سببا لعزوف عن مشاهدة هذا الفيلم، بشكل عام فإن الفيلم يعتبر مقبولا باعتباره اعتمد على فكرة فلسفية هى محاولة الإنسان العادى التصدى للخطأ أكثر من أى شىء آخر فارتفعت حدة الفكرة على حساب براعة الحدوتة وعلت مكانة الرؤية الفلسفية على حيوية الأحداث فسرعان ما سقط الفاسدون بعد أن تم القبض عليهم واختفت مديحة عن الأحداث دون أن تتناما أى علاقة عاطفية وهذا الشاب البرىء.
سرعان ما اختفى سمير نوار من السينما مع فيلمه وقام زميله سمير سيف بتطوير نفسه وتكرر الأمر مع فيلم آخر 1981 هم «المشبوه» الذى أنتج فى نفس الأسبوع باسم «اللصوص» لمخرج آخر وشتان بين أفلام سمير سيف والأفلام التى تقلده.