عكست تظاهرات الجمعة الماضية والتى أطلق عليها مليونية الشريعة، صورة نموذجية للخلط بين الدينى والسياسى، وما سمعناه من صيحات المتظاهرين، وما وصلنا من خطباء الجمعة فى عدة مدن مصرية، يقول بوضوح إن مصر فيها «كفّار» لا يريدون تطبيق شرع الله، وأن المسلمين الموحدين الغيورين على دينهم، والذين زحفت جماعات منهم من أقاليم مصر المختلفة، لن يهدأ لهم بال حتى يبلغوا هذا الهدف، وسيمح زحفهم الهادر، كل أثر لدعاة العلمانية والليبرالية والاشتراكية، وغيرها من البضاعة الغربية الكاسدة، التى تستهدف القضاء على الإسلام وتنغيص عيش المسلمين، وإبقائهم فى هذه الحالة المزرية من الذل والضعف والاستكانة.
هكذا تم اصطناع مشكلة لا وجود لها، فأغلبية سكان مصر كما تعلم مسلمون، يصلون ويصومون ويدفعون الزكاة، وتهفو قلوبهم إلى زيارة بيت الله الحرام، ومساجدها عامرة كما قلوب أهلها بالإيمان، إيمان وسطى لا يعرف غلوا ولا ادعاء، وبها أزهر عمره يزيد على الألف عام، وشيوخ علموا العالم سماحة الإسلام وعدله واعتداله، ولا يوجد بين مسلمى مصر من يرفض تطبيق شرع الله، ولهذا، لم يعترض أحد منهم على المادة الثانية من الدستور، والتى تنص على أن الشريعة هى المصدر الرئيسى للتشريع، كما أن فقهاء وقانونيين ثقاة، أكدوا أن القوانين المصرية لا تناقض الشريعة ولا تتصادم معها، فأين هى المشكلة؟
إنه الدين حين يقحمه البعض فى السياسة، والسياسة حين تتسربل بعباءة الدين.
أفهم أن يحتدم جدلنا حول سبل محاربة الفقروتحقيق الأمن والعيش الكريم للناس، وأن نتبارى فى اكتشاف طرائق جديدة لإعلاء قيم الحرية والعدل والمساواة، وأن ننهض كما أمرنا ربنا بعمارة الأرض كى نلحق بحضارة ــ كافرة ــ تخلفنا عنها عدة قرون، وأن نتعايش ونتحاب ونتعاطف برغم اختلافاتنا وتنوع مشاربنا، وهذه كلها من مقاصد الشريعة.
أما المزاد الذى فتحه البعض بزعم الغيرة على الدين وتطبيق شرع الله، فسياسة تلبس ثوب الدين، وهى نتيجة حتمية لحشر الدينى فى السياسى، وبدلا من الجدال على أرضية الصواب والخطأ أو التأييد والمعارضة، تتحول مصر إلى مصرين: دار إيمان ودار كفر، ويتحول المصريون إلى فريقين: مسلمين وكفرة، حتى لو صام الأخيرون وصلوا ونطقوا بالشهادتين.