قرأت قانون الخدمة المدنية الجديد، وتابعت الانتقادات التى وجهّت إليه والردود عليها طوال الفترة الماضية.
وبشكل عام فإن القراءة المنصفة للقانون رأت أنه «خطوة كبيرة نحو إصلاح الجهاز الإدارى للدولة»، الذى بلغ عدد العاملين فيه نحو سبعة ملايين موظف يتقاضون 228 مليار جنيه سنويا، بزيادة قدرها 27.5 مليارجنيه عن موازنة العام الماضى، إذا وضعنا فى الاعتبار تطبيق الحد الأدنى للأجور (1200 جنيه)، والذى بلغت تكلفته نحو 18.5 مليار جنيه.
دعونا نتفق على أن مواجهة الترهل فى الجهاز الإدارى للدولة خطوة تأخرت كثيرا، فالعاملون فى الدولة يتزايدون دون مقتضى، وتتزايد أجورهم فى الموازنة العامة بصورة مفزعة حتى باتت تلتهم 26% تقريبا من مواردنا، فى وقت لا يشعر المواطن فيه بأى تحسّن فى مستوى الخدمات والمرافق العامة، وهى معادلة لا يمكن استمرارها.
الخطوط العامة للقانون، ومواده كاملة متاحة على المواقع الإخبارية لمن أراد، تؤكد على الشفافية فى الإعلان عن الوظائف وجعلها بالاختبار، ما يعطى الفرصة للأجدر بالفوز بالوظيفة، كما أنه يستحدث لأول مرة إدارات للتنمية البشرية فى المصالح الحكومية تعنى بالتدريب وتأهيل الموظفين للترقى للدرجات الأعلى، ويزيد نسبة الأجر الثابت إلى المتغير، ويجعل الحصول على تقدير ممتاز للمديرين وقيادات الإدارة العليا شرطا للاستمرار فى المنصب، ما يعنى القضاء على فكرة «تأبيد» المديرين على كراسيهم، كما أنه يخضع ترقيات الموظفين فى مستويات الإدارة الأدنى لتقويم أداء، ينبغى أن يحصل الموظف فيه على تقدير «كفء» لسنتين متتاليتين، ما يعطى فرصة للمجتهدين فقط فى الترقى، كما أن القانون الجديد ينظم المعاش المبكر للراغبين فى ترك الوظيفة، ويمنحهم خمس سنوات تضاف إلى رصيدهم فى حساب التأمينات.
النقطة الأخيرة بالذات كانت محل انتقاد ممن رأوا فيها افتئاتا على أموال التأمينات، واعتبروا أن «صياغة المادة 67 تمثل عدوانا صريحا على أموال التأمينات، لأن تحويل أعداد من الموظفين من دافعى اشتراكات (ممولين) إلى مستحقى معاشات وتعويضات قبل موعد استحقاقهم لها بخمس سنوات يهدد مستقبل النظام التأمينى»، وهو ماردّت عليه وزيرة التضامن غادة والى بأن «الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى لم ولن تتحمل أية أعباء نتيجة تطبيق المادة ٦٧ من قانون الخدمة المدنية وتتحمل الخزانة العامة هذه الأعباء».
لا أمانع أبدا فى أن يستمع رئيس الحكومة لبعض الآراء العاقلة التى تستهدف المصلحة العامة، والتى يمكن أن تحسّن بعض المواد المختلف عليها، لكننى بأمانة، وبعكس ما يردد بعض المعترضين، لم أجد فى القانون مادة واحدة تتحدث عن فصل الموظفين تعسفيا ولا قهرهم إداريا، لكننى وجدت فيه رغبة حقيقية فى إصلاح الجهاز الإدارى للدولة، الذى بات استمراره على هذا النحو مستحيلا، لكنك ستجد دائما من يزايد ويصدح بشعارات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، عن الموظفين الغلابة وحقوق العمّال ومكتسبات الثورة المستمرة، لتحمله جماهير الكسالى والمنتفعين على الأعناق، ونواصل نحن الدوران فى الحلقة المفرغة إياها سقوطا نحو الهاوية.
التصدى لتشوهات الجهاز الإدارى للدولة، يثبت من جديد صدق نوايا رئيسنا المحترم عبدالفتاح السيسى فى الإصلاح، ورغبته الصادقة فى بعث جديد للأمة المصرية، وأن ما يشغله هو صالح الوطن ومستقبل الأجيال القادمة، لا البحث عن شعبية زائفة وجماهير تحمله على الأعناق وتهتف باسمه فى الميادين، وإلا ما اقترب من هذا الملف، ولا من ملف الدعم قبله.