نشرت صحيفة The Times of Israel مقالا للكاتب حفيف ريتج جور، يحاول فيه معرفة سياسات بايدن تجاه الشرق الأوسط، وهل ستختلف عن سياسات أوباما أم لا.. نعرض منه ما يلى.
كل إدارة جديدة لديها سياساتها الخاصة والتى تختلف عن سياسات الإدارة التى سبقتها. فكل رئيس جديد فى السنوات الأخيرة كان يعتبر نفسه رد فعل لسلفه فيشن حملة شاقة لتحقيق ما تريده إدارته ــ وما الذى تريد منعه وتعطيله ورفضه.
تولى الرئيس الأمريكى باراك أوباما منصبه فى عام 2009 عازما على أن يكون مناهضًا لسياسات جورج دبليو بوش. وهذا ما كانت تدور حوله الانتخابات، التنصل من السنوات الثمانى للإدارة الجمهورية الأكثر انقسامًا وغير المسئولة فى نظر الديمقراطيين، ثم خلفه دونالد ترامب.
وسيتولى جو بايدن مقاليد السلطة ــ كخلف لترامب ــ فى 20 يناير بعد فوزه بأكبر عدد من الأصوات فى تاريخ الانتخابات الأمريكية والتى شهدت أعلى نسبة مشاركة فى الـ 120 عامًا الأخيرة.
يشعر الكثيرون حول العالم بالفضول الشديد الآن بشأن بايدن المعتدل. كذلك الصحافة فى إيران والمكسيك وبيرو، وبالطبع فى إسرائيل تعمقت فى ماضيه لمحاولة قراءة توجهاته فى المستقبل القريب.
لكن السؤال الحقيقى الذى يريد العالم معرفته لا يتعلق بشخصية الرجل، بل يتعلق بشخصية وسياسة الإدارة ككل.
***
تولد فشل أوباما العميق فى فترة ولايته الأولى، على الأقل فيما تعلق بسياسته الخارجية، نتيجة المشاعر المعادية التى كان يكنها لبوش. فحتى يومنا هذا، عندما يُسأل أوباما عن جائزة نوبل للسلام، يجيب بابتسامة خجولة ويعترف بأنه غير متأكد من سبب فوزه بها فى عامه الأول من منصبه.
تولى أوباما منصبه باستطلاعات رأى عالية مؤيدة له فى إسرائيل وحول العالم. ثم فقد تلك الأعداد، أولا فى إسرائيل، ثم بدرجات متفاوتة فى أماكن أخرى كثيرة. ولإظهار أنه ليس بوش، زار إسطنبول والقاهرة فى أول زيارة له للمنطقة، لكنه تجنب إسرائيل. ألقى خطابًا «إلى العالم الإسلامى» من القاهرة إيمانًا منه بأن ما كان يتوق إليه الشرق الأوسط فى عام 2009 هو زعيم أمريكى مختلف.
بعد ذلك بعامين، عندما دفع الربيع العربى بالتيارات الخفية فى المنطقة إلى العلن، وجدت إدارة أوباما الفرصة سانحة. فالديمقراطيون، المقتنعون بأن السياسات الخارجية الفاشلة هى مشروع جمهورى، اضطروا فجأة إلى الكفاح مع أجل إعمال التغيير فى الشرق الأوسط وهذا كان أكثر مما كانت تحلم به مؤسسات الفكر والرأى فى واشنطن والبرامج الإخبارية.
تحولت إدارة أوباما إلى إيران باعتبارها العمود الفقرى لاستراتيجية جديدة تساعد الولايات المتحدة فى التخلص من الاختلالات فى المنطقة من خلال تمكين الجمهورية الإسلامية وزيادة قوتها لتحقيق الاستقرار. وجاء الاتفاق النووى لعام 2015 إلا أنه لم يضعف النظام فى طهران، ولم ينهِ أو حتى يحد من سيطرة إيران العدوانية على العديد من الدول العربية، بل آخر فقط طموحات البلاد النووية.
ونتيجة لهذه السياسة تغيرت المنطقة بشكل لم تتوقعه إدارة أوباما.
فالإدارة التى بدأت بـ «إعادة ضبط» العالم العربى، انتهت بتمكين العدو الاستراتيجى (إيران) للعديد من الدول الإقليمية، ودفع التحالف الأمنى والاستخباراتى الإسرائيلى العربى إلى العلن.
على صعيد الشأن الأمريكى، من المنطقى أن يتشوق الديمقراطيون لأيام أوباما. ففيما يتعلق بالقضايا المحلية، كالرعاية الصحية، والمحكمة العليا، والإجهاض، وقضايا أخرى لا حصر لها، هناك انقسام عميق وجذرى بين الحزبين، ويعتقد أولئك الذين لا يحبون ترامب أنه قلب القواعد والمؤسسات التى يرون أنها حجر الأساس لديمقراطيتهم.
لكن عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، من الصعب تحديد التوجهات «الديمقراطية» أو «الجمهورية» فى الشرق الأوسط. فالطرفان يحرصان على سحب القوات الأمريكية وعدم التورط فى المنطقة، ويدعم الجانبان إسرائيل كمرساة استراتيجية لتحقيق الاستقرار فى المنطقة. حتى بالنسبة لأوباما، فإن التعاون الأمنى لم يتزعزع أبدًا ــ على الرغم من نزاعاته مع القيادة الإسرائيلية.
السلام السعودى والصواريخ التركية
كانت صفقات التطبيع الجديدة بين إسرائيل ودول الخليج فى طور الإعداد لعقد من الزمان، وهى نتاج تعاون طويل وعميق بشأن التحديات الاستراتيجية الوجودية لكل من إسرائيل وشركائها العرب. لم «يتوسط» ترامب فى الاتفاقات. ففى حالة الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، قام ولى العهد الشيخ محمد بن زايد ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بإيماءة من وراء الكواليس من الرياض، بإتمام الصفقة. لكن ترامب كان له دور ويمكن تمييزه بطريقتين محددتين.
أولا، قدم وعودًا بدعم مصالح كل جانب، من بيع طائرات F ــ 35 للإمارات، إلى إزالة النظام السودانى الجديد من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
ثانيًا، أثار ترامب الحاجة الملحة إلى بناء التحالف. وبالنسبة لأبوظبى والمنامة وإسرائيل وحتى الخرطوم، كان الموعد النهائى للانتخابات بمثابة ساعة موقوتة لجنى ما يمكن أن يحصلوا عليه من إدارة تسعى لتحقيق انتصارات فى السياسة الخارجية قبل الانتخابات.
الآن لا أحد يعرف ما الذى تجلبه إدارة بايدن. ما مدى قوة الجناح التقدمى فى جهاز صنع السياسة الجديد؟ ما هو التأثير والآراء التى ستجلبها نائبة الرئيس المنتخب كامالا هاريس إلى طاولة المفاوضات؟ فالآراء تتغير والمصالح تتغير. هل يتبع بايدن نمط أسلافه بنبذ ورفض سياسات وتوجه السلف؟.
هل سيكون بايدن حريصًا على الظهور بمظهر «المناهض لترامب؟» هل سيدعم التحالف بين الإسرائيليين والدول السنية المحافظة المتحالفة ضد إيران، ويسعى إلى توسيعه ليصبح سلامًا سعوديًا ــ إسرائيليًا يغير المنطقة بالكامل؟ أم سيعود إلى سياسة دعم وتمكين نظام آية الله فى محاولة لضمان الاستقرار؟
بعض الأسئلة المتعلقة بسياسته فى المنطقة ليست لها أجوبة مرضية ــ خصوصا بالنسبة لإسرائيل. فما العمل مع تركيا التى يعتبر نظامها الإسلامى توأما أيديولوجيا لحماس؟ تركيا حريصة على الهيمنة على المنطقة، وتحقيقا لهذه الغاية تعمل على دفع النفوذ الروسى والصينى للوراء. ولدى الولايات المتحدة مصلحة استراتيجية فى ذلك (تعزيز القوى الإقليمية التى يمكنها مواجهة الرئيسين بوتين وشي). فهل سينحاز بايدن إلى حامل لواء الإسلام السنى وراعى حماس والإخوان المسلمين وبعض المتطرفين فى سوريا من أجل دفع الاستراتيجية العالمية لأمريكا؟
ماذا عن الفلسطينيين؟
زار أوباما إسطنبول والقاهرة فى أول رحلة له إلى المنطقة، وتجنب إسرائيل عمدا، وحرص المسئولون على إخبار الإسرائيليين أن ذلك كان متعمدا. كانت إهانة لا داعى لها أدت إلى توتر شعبيته فى إسرائيل لأنها لم تقدر على أن تحسن ظنها به.
ثم ضغط على إسرائيل لتجميد الاستيطان فى عام 2010 كإظهار لـ «حسن النية»، ولم يفهم أبدًا لماذا لم يجلب الضغط المكثف لمدة عام ــ على الإسرائيليين ــ الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات. فلم يتوقع مستشارو أوباما أن يأتى الرئيس الفلسطينى بشروط أفضل من ذلك. أوباما دفع محمود عباس إلى أعلى الشجرة بينما يعتقد الأخير أن الأول يجره إلى الأسفل.
إلا أنه كلما زاد ميل أوباما نحو الفلسطينيين، زاد دفعه بالسياسة الفلسطينية بعيدًا عن التسوية. ولا يتعين على المرء أن يحب موقف ترامب تجاه الفلسطينيين أو يعتقد أن نتنياهو هو صانع سلام ليؤمن، كما يفعل معظم الإسرائيليين، أن سياسات أوباما أدت إلى تأخير السلام أكثر من تحقيقه.
ختاما، ترامب ألقى بظلاله على الشرق الأوسط. إدارة بايدن ستحرص، مثل كل الإدارات، على الخروج من هذا الظل.
بايدن محنك فى السياسة الخارجية، لكنه يخلف نخبة سياسية ديمقراطية لها جهود وفترة انخراط طويلة فى المنطقة. فإذا كان يأمل أن يكون أكثر نجاحًا من سلفه، فسوف يحتاج الديمقراطيون إلى إعادة بناء مصالح أمريكا هناك.
إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى:
https://bit.ly/35p3l4R