نشرت مؤسسة « Institute for Security Studies» مقالا للباحثين TIMOTHY WALKER ــ DENYS REVA ــ يتناولان فيه ما يعرف بالاقتصاد الأزرق فى إفريقيا وضرورة الاهتمام به باعتباره أحد المفاتيح الأساسية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة فى القارة.
إن أهمية البحار والمحيطات بالنسبة لمستقبل التنمية الاقتصادية والبشرية المستدامة والأمن فى إفريقيا وما وراءها أصبحت موضع اعتراف متزايد. وظهر ذلك جليا فى مؤتمر «استدامة الاقتصاد الأزرق» الذى عقد فى العاصمة الكينية – نيروبي ــ فى نهاية نوفمبر الماضى.
حيث حضر حوالى 18000 مندوب من 184 دولة ــ وهو عدد أكثر بكثير من العدد المتوقع، حيث كان متوقعا حضور حوالى 4000 مندوب عن الدول المختلفة ــ وشمل ذلك مسئولين حكوميين، وممثلين عن عدد من المنظمات الإقليمية والدولية الرئيسية، وأعضاء المجتمع المدنى، وممثلين من الأوساط الأكاديمية وممثلين مختلفين للصناعة البحرية وخبراء عالميين آخرين.
إن تأسيس «اقتصاد أزرق» يعنى بشكل أساسى ضمان الاستخدام المستدام طويل المدى للمحيطات والموارد البحرية. وأكد المؤتمر على الإمكانيات الهائلة التى يمكن استغلالها وتسخيرها فى خدمة الموارد الساحلية والبحرية ــ ليس فقط فى إفريقيا بل فى جميع أنحاء العالم. ويمكن تحقيق ذلك من خلال إنشاء مجال بحرى آمن من شأنه أن يضيف قيمة إلى «الاقتصاد الأزرق» فى المجالات المختلفة ومنها الصيد والتجارة والنقل والسياحة... إلخ.
لقد كان إيصال هذه الرسالة – أى ضرورة الاهتمام بالاقتصاد الأزرق ــ هو الجزء الأسهل فى هذه المهمة. أما فيما يتعلق بتنفيذ هذه المبادرات سيكون بلا شك أكثر تحديًا وصعوبة. وهذه المشكلة أى – صعوبة التنفيذ ــ غالبا ما تعزى إلى الشعور بما يمكن وصفه مجازيا بـ«العمى البحرى» – وهو ما يعنى عدم الاكتراث بقيمة وجود بحار آمنة ومؤمنة، والآن فى مجال التنمية المستدامة.
***
نجد الرئيس الأوغندى «يورى موسيفينى» على سبيل المثال صرح فى المؤتمر قائلا: «إنه بشكل مبدأى كان لديه تحفظات أولية على هذه القمة، خوفا من أن يكون «الاقتصاد الأزرق» هو شكل آخر من «الكليشيهات» أو الترتيبات المبتذلة التى يقودها أصدقاؤنا الخارجيون، ولكن... لاحظت أن هذا يتعلق ببقائنا، إنه مرتبط بأهداف مستدامة.
فى حين أن الرسالة أصبحت أكثر وضوحًا وهى أن «الاقتصاد الأزرق» فى إفريقيا هو المفتاح الأساسى لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة فى القارة، إلا إن الطرق والوسائل التى من المفترض أنه سيتم من خلالها تحقيق ذلك ليست متطورة بشكل كاف.
لقد أعلن «الصندوق العالمى للحياة البرية» فى عام 2015 أن قيمة الأصول البحرية تقدر بما يقرب من 24 تريليون دولار، لكن هذا الرقم يعتمد بالكامل على ما يمكن أن نسميه «المحيطات الصحية». حيث تتأثر صحة المحيط سلبيا بتغير المناخ والأنشطة البشرية الضارة مثل التلوث والصيد الجائر، ما يقلل من موارد المحيطات مثل مخزون صيد الأسماك.
ويضيف الباحثان أنه فى حين تم الترويج لهذا المؤتمر باعتباره أول مؤتمر عالمى حول «الاقتصاد الأزرق» المستدام، إلا أن العمل على هذا الأمر مستمر منذ فترة طويلة. حيث ﺃﺳﻔﺮﺕ ﻗﻤﺔ «ﻟﻮﻣﻲ» فى ﻋﺎﻡ ٢٠١٦ ومؤتمر الأمم المتحدة بشأن المحيطات فى ﻋﺎﻡ ٢٠١٧ عن ﻧﺘﺎﺋﺞ جيدة، إلا ﺃﻥ ﺃﺛﺮﻫﺎ ﺳﻴﺴﺘﻐﺮﻕ سنوات لكى ﻳﺼﺒﺢ ﻭﺍﺿﺤﺎ.
ويظهر دليل «الاقتصاد الأزرق» التابع للجنة الاقتصادية للأمم المتحدة لإفريقيا، والهدف الرابع عشر من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة ــ اللذان يلزمان الدول بالحفاظ على المحيطات والبحار والموارد البحرية من أجل تحقيق التنمية المستدامة ــ أن الجهات الفاعلة تمتلك بالفعل العديد من الأدوات اللازمة لتحقيق ذلك.
وعلى الرغم من الاهتمام الكبير واستخدام أوصاف مثل الموارد «غير المستغلة»، فإننا لا ندخل إلى المناطق المجهولة غير المستغلة. وبدلا من ذلك، نجد أن أولئك الذين يتطلعون إلى إقامة اقتصادات بلدانهم أو تنميتها يدخلون فى بعض الأماكن الأكثر استغلالا. بالإضافة إلى أن العديد من اللوائح التنظيمية إما غير فعالة إلى حد كبير أو أنه لم يتم بعد اختبار أدائها وإدخالها حيز النفاذ. وخير مثال على هذا الأخير هو التعدين فى قاع البحار ــ وهو نشاط لم يحدث بعد.
لذلك من المفيد التفكير فى كل مؤتمر باعتباره حلقة سوف تشكل فى الوقت المناسب سلسلة حيث يمكن لأصحاب المصلحة المشاركة ومناقشة الاستراتيجيات التى لم يتم تنفيذها والمواثيق التى قد تستغرق عقودًا للتصديق عليها ما لم يتم اتخاذ إجراء فورى. ومن ثم يضمن ذلك أن الدول تعمل فى نهاية المطاف على أهداف مشتركة لضمان وجود «اقتصاد أزرق» صحى.
من أجل «اقتصاد أزرق» ناجح وأمن بحرى قوى، يحتاج صانعو السياسة وصانعو القرار إلى الوصول المستمر إلى الأبحاث الموثوقة والمعتمدة على الأدلة. إن إمكانات المحيط والتهديدات التى تهدد سلامته يجب أن يتم التعامل معها باعتبارها حقائق واضحة. كذلك نحتاج إلى تخفيف التوقعات «المثالية» غير الواقعية بأن المحيطات يمكنها أن تقدم الحل السريع للعديد من المشاكل التى تمنع الدول الإفريقية من تحقيق الأهداف التى تتناسب مع إمكاناتها الحقيقية.
***
بالفعل إن الحفاظ على الزخم أمر بالغ الأهمية، حيث تتضاءل الجهود فى كثير من الأحيان.. وكان من أبرز النتائج المرحب بها فى الآونة الأخيرة للاهتمام بالاقتصاد الأزرق تعيين رئيس سيشيل «دانى فورى» باعتباره «بطل الاقتصاد الأزرق للاتحاد الإفريقى». يأتى هذا بعد ترشيح الرئيس التوجولى «فاورى جناسينجبى» «كبطل بحرى إفريقى» من قبل مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الإفريقى فى عام 2017.
ولأول مرة فى الاستراتيجية البحرية المتكاملة لإفريقيا لعام 2050 التابعة للاتحاد الإفريقى تم وضع اقتراحات لتساهم فى دفع عملية التنفيذ وزيادة الوعى والاهتمام بالأمن البحرى والتنمية.
بداية من عام 2021، ستقوم مفوضية الاتحاد الإفريقى، لأول مرة، بتضمين مكون بحرى مخصص فى لجنة الزراعة والتنمية الريفية والاقتصاد الأزرق والتنمية المستدامة. فى هذه الأثناء، ينبغى للاتحاد الإفريقى، بالتعاون مع شركائه وأصحاب المصلحة، قيادة وتسهيل عملية منهجية طال انتظارا، كان من المقرر أصلا أن تكون عام 2015، والتى تسهل تحسين الروابط بين الاتحاد الإفريقى والمجتمعات الاقتصادية الإقليمية من أجل تنفيذ استراتيجيات «الاقتصاد الأزرق» الخاصة بكل منهما.
***
ويضيف الكاتب أن هناك حاجة لالتزامات صارمة من قبل الدول لوضع سياسات وأهداف شاملة وتدريجية، مثل إنشاء المناطق البحرية المحمية. وتكمن فرص العمل والمزيد من الثروة البحرية فى تمكين نمو الصناعات البحرية. إن ضمان حدوث ذلك، مسترشدا بأطر الهدف الرابع عشر من أهداف التنمية المستدامة ومبادئ التنمية المستدامة، هو أمر بالغ الأهمية، لأن الحديث عن استغلال الموارد يمكن أن يغطى بسهولة بعض الممارسات والسياسات «المزعجة» للبيئة، ما يتسبب فى إلحاق ضرر هائل بالبيئة ما لم يتم تصميم وتنفيذ هذه السياسات والممارسات بشكل جيد.
إن الأهمية المباشرة لمؤتمر نيروبى هى جذب الانتباه السياسى والعام «للاقتصاد الأزرق» بما يزيد من الأهمية السياسية للمؤتمر. حيث إنه لا يوجد نقص فى الأطر والأدوات التى يمكن استخدامها لتطوير استراتيجيات مناسبة ومصممة بشكل جيد فى جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، فإن التحدى التالى هو الحفاظ على مستوى الالتزام السياسى والمصلحة العامة فى تحقيق هذه الأهداف.
إعداد: ريهام عبدالرحمن العباسى
النص الأصلي من هنا