كيف يمكن للصحفى أو الإعلامى ــ وهو المدافع عن الحريات والحقوق لاسيما الحق فى الحياة ــ أن يكون متعصبا جنسيا، ويستهزئ بقضايا العنف ضد المرأة وبخاصة القتل. على إثر ذلك، نشرت صحيفة المغرب التونسية مقالا للكاتبة آمال قرامى، دعت فيه الصحفيين والإعلاميين إلى التزام المهنية وتبنى ثقافة حقوقية فى تناولهم لقضايا المرأة، لأن المبادئ لا تتجزأ.. نعرض من المقال ما يلى.
تورّط عدد من الصحفيين والإعلاميين فى مجموعة من الأخطاء التى تقيم الدليل على انعدام المهنية، وغياب إيطيقا التعامل مع مواضيع ذات صلة بأوّل حقّ طبيعى، وهو الحقّ فى الحياة. فأن يتم الاستهزاء بأسباب القتل أو أن يقلّل من شأن الحدث أو أن يبرّر سبب القتل معناه ببساطة غياب الحسّ الإنسانى الذى يجعلك تتفاعل مع كلّ خبر يصنّف ضمن الجرائم البشعة فلا تكتفى بالترحم على الضحية والتعاطف معها وإبراز الشفقة تجاهها بل لابدّ أن تتموقع ضمن ثقافة حقوقية تفرض عليك مراجعة الموروث الاجتماعى الثقافى الذى نشأت عليه وتغيير مواقفك وسلوكك وممارساتك بما يتلاءم مع المرجعية الحقوقية، وأن تطلّع على عدد من الدراسات الاجتماعية والثقافية والنسائية والنسوية والجندرية والقانونية وعلم الإجرام وغيرها وعليك أيضا أن تنخرط فى مسار المقاومة الحقوقية لأنّك لا يمكن أن تكون صحفيا رافعا راية الدفاع عن الحق فى التعبير والتفكير و... وأنت متعصب جنسيا، كارها للمرأة فالحقوق لا تتجزأ والمبادئ لا تختزل.
إنّ أول خطوة فى مسار الالتزام بالمقاومة تحمّل المسئولية: أن تكونى أو تكون صحفيا أو إعلاميا مسئولا ينتقى لغة الخطاب ذلك أنّ مؤسسة اللغة سلطوية بامتياز، ومن هنا كان اختيار المفردات والعبارات، فى التغطية هامّا: إنّها ليست امرأة/ضحية/أمّ... بل هى القتيلة المعنّفة وأدنى علامات الاحترام ذكر اسمها لأنّها ليست «الضحية رقم 10 فى غضون السنة» بل إنّها تحمل اسما لابد أن يُخلّد.
إنّهن رفقة اللواتى يسائلن الدولة ويحرجن صناع السياسات، ويفضحن التقصير، وقصور السياسات التربوية والتعليمية والاجتماعية والإعلامية.. إنّهن فى التاريخ والذاكرة الجمعية حتى وإن تنكّر البعض من المسئولية أو تجاهل أصحاب القرار الظاهرة أو أنكروا خطورتها. فأن تسمّى القتيلة معناه أن تعترف بأنّها كانت بيننا، عاشت، تألّمت، ضحكت، تعبت، صرخت، مزحت، أكلت ورقصت وشاهدت، وعشقت، وحلمت، ولكن أراد الزوج/ الخطيب/ الصديق مصادرة حياتها وشطب أفعالها وأقوالها وسيرتها.
لا يتسع المجال لعرض عينات من التغطية الإعلامية التونسية التى تعكس التمثلات الاجتماعية/ الدينية/ الرمزية، وطرائق التلقى الاجتماعى لجرائم قتل المرأة وتثبت فى الوقت ذاته، مدى دخلنة أغلب أهل القطاع من الرجال/ النساء للصور النمطية وللأحكام التى تعتبر المرأة آثمة بالضرورة فتشيطنُ أفعالها وتموضعها فى دائرة الشرور ومن ثمّة تكون التغطية الإعلامية فرصة لتبرير ما اقترفه المجرم ومحاولة لالتماس الأعذار «نعم هو قتل ولكن من أجبره على هذا الفعل؟» وبذلك تُحجب مسئولية المجرم، ويغيّب دور البنى المنبثقة عن النظام البطريكى، وتقاطع علاقات القوة والهيمنة، ويقدّم قتل النساء على أنّه «طبيعى» أو «قضاء مقدّر ولا مهرب منه» ومن المستحيل تجنّبه، بل هو إرادة الله ولا راد لإرادته ويغدو التعاطى مع الخبر منحازا ومعبّرا عن قيم المجتمع والتمثلات السائدة فيه وأنماط العلاقات المهيمنة، وينقلب أسلوب التغطية إلى «نقل بارد» لا روح فيه وشكلا من أشكال العنف الممارس على الأحياء والقتيلات فمنهن من «تستحق» ومنهنّ «من لا تستحق» الموت.
لا ينتبه عدد من أهل القطاع إلى النتائج المترتبة عن هذه الخطابات غير المسئولة والمتواطئة أو المنحازة للأيديولوجيا الذكورية والمجتمع والتقاليد والأعراف.. والمرسّخة للتمثلات والصور النمطية وخطاب الكراهية.. لأنّهم يجهلون دور الإعلام فى بثّ الوعى ولا يؤمنون بمسئوليته فى مناهضة العنف الممارس ضدّ المرأة حتى وإن حضروا الورشات ودرّبوا الصحفيات والصحفيين حول «العنف المبنى على النوع الاجتماعى» فشتان بين الفهم والالتزام ونقل المعلومات وشتان بين القناعات والاسترزاق.. إن هى إلاّ فرص للاستثمار فى قضايا المرأة.. ولا عزاء للقتيلات.