الثورات العربية والمرأة .. الخروج من المأزق - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:30 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الثورات العربية والمرأة .. الخروج من المأزق

نشر فى : الخميس 13 يونيو 2013 - 5:35 م | آخر تحديث : الخميس 13 يونيو 2013 - 5:35 م

يشعر الإنسان بالتعاطف والشفقة والخوف تجاه أولئك الشباب العرب من الذين يواصلون العمل ويتحملون المشاق والعنت من أجل إيصال ثورات وحراكات الربيع العربى إلى نهايات معقولة تلبى الحدود الدنيا من الشعارات المبهرة التى طرحتها تلك الثورات والحراكات، إن المهمة كبيرة وثقلها هو أضعاف ما حملته الكثير من ثورات العالم فى شتى بقاع الدنيا بسبب إرث تخلف ضخم واستبداد.

 

من بين أكثر الأحمال ثقلا موضوع مكانة وحقوق ومسئوليات المرأة العربية فى مجتمعات الغد المنظور العربية. إنه موضوع لا يمكن تأجيله لأنه ينفجر كل يوم فى وجوه الجميع، إضافة إلى أنه موضوع مرتبط أشد الارتباط بنوع وشمولية وعمق وإنسانية التغيير المجتمعى العربى الذى تريد هذه الثورات والحراكات أن تحققه.

 

من هنا الأهمية الكبرى لتجنب الوقوع فى النظرات السطحية الخاطئة لهذا الموضوع وتجنب السقوط فى الفخاخ التى تنصبها هذه الجهة أو تلك من أجل اختزال موضوع المرأة العربية إما فى مواقف عدوانية جامدة متخلفة أو فى ممارسات مظهرية تحقيرية لإنسانية المرأة، تخدم من لا يريدون للمرأة إلا أن تكون سلعة للبيع والشراء والاستهلاك الغرائزى المبتذل النهم.

 

قيادات الثورات والحراكات يجب أن تنأى بنفسها عن الدخول فى سجالات هذين الطرحين العبثيين سواء أكان من قبل بعض الرجال أو كان من قبل بعض النساء فى الداخل أو كان من قبل بعض المهووسين بهذه الطروحات فى الخارج. وهذا النأى بالنفس عن المماحكات الطفولية البائسة ينسجم تماما مع أهم شعار طرحته الثورات والحراكات: شعار الكرامة الإنسانية، والإنسانية تشمل الرجل الإنسان والمرأة الإنسانة، جسدا ومشاعر وفكرا وحقوقا وفرص حياة.

 

ولما كان تاريخ المجتمعات البشرية قد أظهر بأن أحد أهم المداخل لترسيخ الكرامة الإنسانية فى الواقع هو التطبيق الصارم لمفهوم المواطنة، فإن التركيز على مقتضيات هذا المفهوم العملية فى السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة، خصوصا فى هذه المرحلة الحرجة من مسيرة الثورات والحراكات، سيكون الأفضل والأجدى كمدخل لرفع الظلم التاريخى الذى لحق بالمرأة العربية.

 

●●●

 

النظر إلى المرأة كمواطنة سينقل السجال من ساحات التعصب والابتذال الحالية إلى ساحة الحقوق الكاملة غير المنقوصة التى تنص عليها الدساتير والقوانين الدستورية، إلى ساحة المساواة فى الفرص الحياتية (التعليم والصحة والعمل والأجر والسكن والمناصب وكل النشاطات الأخرى فى المجتمع وسلطة الدولة)، إلى ساحة الأخذ بعين الاعتبار والاحترام الكامل لكل خصائصها الطبيعية: البيولوجية والوظيفية، إلى ساحة العدالة والمروءة، بعيدا عن المقارنات السخيفة فى أمور الجسد والمشاعر والفكر والقدرات والأحلام والطموحات والوظائف التى تخطتها مسيرة الإنسانية، وآن الأوان أن نتخطاها نحن فى وطن العرب.

 

إن تلك المقاربة السياسية والحقوقية لموضوع المرأة العربية لا يعنى أبدا توقف الباحثين والمفكرين والناشطين العرب، رجالا ونساء، من محاولة التوصل إلى نظرة فكرية إبداعية موضوعية إنسانية عادلة بشأن المرأة لتساهم فى الخروج من المظالم والسوءات والحقارات التى أصابت المرأة عبر التاريخ البشرى الطويل، فى كل مكان، وإن بصور متفاوتة، وإلى يومنا هذا.

 

فكما أن النظرة المتعصبة الجاهلة الظالمة المستخفة بحقوق وواجبات المرأة الإنسانية، والتى تمارس فى كثير من مجتمعات العالم بما فيها مجتمعات الوطن العربى، هى نظرة غير عادلة ومرفوضة رفضا تاما، فكذلك الأمر نفسه ينطبق على النظرة التى تتعامل مع المرأة كمصدر أساسى لتحريك وإشباع الغرائز الحسية والجنسية.

 

إن تلك النظرة تتمثل عمليا فى الاستعمال البذىء التحقيرى لجسد المرأة وتعبيراتها الحركية فى الإعلان عن كل بضاعة، فى تسويق كل منتج، فى الإغواء نحو كل صرعة وكل موضة وفى خلق كل حاجة استهلاكية تبذيرية غير ضرورية. إنها تتمثل أيضا فى إمبراطوريات صناعة المكياج التى قلبت المرأة إلى لعبة للتسلية وفى عمليات تجميل وشد وإخفاء وتكبير وتصغير لكل ملمح فى وجه وجسد المرأة وإلى إمعان متصاعد فى تعرية المرأة كبضاعة وكجذب.

 

هكذا تشيأت المرأة واصبحت بضاعة فى الأسواق العولمية الاستهلاكية لتخدم جشع الرأسمالية المتوحشة المنفلتة من كل قيم ومن كل التزام.

 

إنها النظرة الثقافية العولمية تجاه المرأة والتى ترفع لواءها بعض المجتمعات وتريد أن تجعل منها ثقافة كونية.

 

من هنا فإن ثورات الربيع العربى التى أبدعت فى ممارسة مناهج ثورية جديدة وأبهرت العالم مطلوب منها أن تساهم، إن لم يكن حاليا ففى المستقبل، فى تشجيع مفكريها وعلماء اجتماعها ومراكز بحوثها للخروج من النمطين البليدين السابقين إلى رحاب نظرة ثقافية إنسانية تنقل المرأة من نظرات وممارسات التشيئ والتبضيع التحقيرى نحوها من جهة وكذلك من التعصب الظالم الاستعبادى تجاهها من جهة أخرى.

 

موضوع المرأة فى قلب ثورات الربيع العربى والتعامل معه سيقرر مدى نجاح وسمو تلك الثورات

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات