نشرت صحيفة عكاظ السعودية مقالة للكاتبة «عزيزة المانع» جاء فيه، إسبانيا فى ذهنى ليست مدريد ولا برشلونة ولا ماربيا أو مايوركا أو اليكانتى أو غيرها من المصايف الإسبانية الجميلة، وليست رقصات الفلامنكو أو مصارعة الثيران، إسبانيا فى مخيلتى أندلس الجمال والحضارة والتمدن الإسلامى العربى، الذى تمتد شرايينه فى جوانبها.
حين تتجول فى بعض المدن الإسبانية، تكتشف أن الخضوع الإسبانى للعرب لم يكن لسطوة ما لديهم من سلاح قدر ما هو لسطوة ما يحملونه من علم وحضارة وفن، وقد ظلت شمس تلك السطوة قرونا طويلة تبدد الظلام الغربى بأشعتها المضيئة، حتى أصابها ما أصابها من الأفول، فانقلبت إلى سحابة داكنة تروى دمع أبى عبدالله الصغير.
مدريد مدينة عريقة تستوقفك فيها المبانى التاريخية والكنائس والكاتدرائيات والأديرة الجميلة بمبانيها المميزة، وتشدك إليها ساحاتها النابضة بالحياة والجمال والمرح، وأشهرها ساحة مايور التى يتجمع فيها السياح من مختلف الجنسيات، يرتادون مقاهيها وأسواقها التقليدية.
جمال مدريد التاريخى يزيد من شوقك لرؤية مدينة طليطلة القريبة منها، وهى مدينة تمثل موقعا أثريا عالميا حسب تصنيف منظمة اليونسكو، وغنية بالفن والتاريخ بما يجعلها قبلة الفن العالمى، أيضا من أهم ما يميزها أنها تعكس التعايش الثقافى بين الأمم على وجهه الصحيح، ففى هذه المدينة الصغيرة عاشت الديانات الثلاث الإسلامية والمسيحية واليهودية، متجاورة جنبا إلى جانب فى دعة وسلام.
وقد تضطرب نفسك عند معرفة ذلك، فتردد فى أعماقك مذهولا متحيرا: كيف أمكن لأسلافنا العيش فى سلام مع غيرهم من الأمم المختلفة عنهم، ويعجز أحفادهم اليوم عن العيش فى وئام مع بعضهم بعضا وهم أمة واحدة؟
مدينة طليطلة قديمة جدا، بعض المؤرخين يرجع تأسيسها إلى ما قبل ألفى عام قبل الميلاد أيام الإغريق، وازدهرت فى عصر الرومان الذين أقاموا فيها المسرح والجسر العظيم وأطلقوا عليها اسم Tholedoth.
ثم احتلها القوط واتخذوها عاصمة لهم وبقوا فيها إلى أن استولى المسلمون عليها فى القرن الثامن الميلادى بقيادة طارق بن زياد، وأسموها طليطلة تحريفا لاسمها القديم Tholedoth.
المدينة جميلة، تنتصب على منطقة جبلية مرتفعة فوق سطح البحر بأكثر من خمسمائة متر، تعانقها الأودية ويحضنها النهر من جهات ثلاث. مساحة المدينة محدودة وعدد سكانها صغير لا يبلغ المليون.
حين تتجول فى أزقة المدينة الضيقة تطوقك مبانيها الحجرية العتيقة وأسواقها المكتظة بالأسلحة البيضاء المزخرفة بالفصوص والعاج كالسيوف والسكاكين والرماح والدروع، وهى تباع للسياح تذكارا لمدينة طليطلة التى اشتهرت بصناعتها. وقد يلفت انتباهك أيضا ما هو معروض من أطباق الخزف المطعمة بالذهب والمزخرفة بالكتابات العربية، فتشعر حقا كما لو أنك تتجول داخل متحف قديم وليس مدينة.