قبل سنوات قلائل وعلى إثر مباراة كرة قدم تسببت ثلةٌ من الإعلاميين ــ و«إعلاميون» هنا على سبيل المجاز لا الحقيقة ــ فى اندلاع فتنة هائلة بين الشعبين المصرى والجزائرى لم يلبث أن تورط فى إذكاء نارها كثيرون لاتزال ذاكرة (اليوتيوب) تحتفظ بنصوص عباراتهم والزبد الذى تطاير من أشداقهم يحرض المتحمسين على الفتك بأى جزائرى يرونه أمامهم!
ومن بعد ذلك كادت إعلامية أخرى أن توقد نفس النار بين المصريين والمغاربة، ثم واحدة أخرى أغلقت الهاتف فى وجه سفير دولة بيننا وبينها من التوتر ما يكفى فى سابقة لم تشهد لها شاشات التلفاز مثيلا.. وهكذا.. لو ذهبت تحصى فى خمس سنين فقط ما جره الصغار على علاقات الدول وترابط الشعوب من ويلات فلربما أعياك البحث!
بعض هؤلاء ممن يقض مضجعه أن يرى تحالفا حقيقيا يقوم على الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة والرياض انتهز فرصة الخلاف الحقيقى حول إنهاء الأزمة السورية ليملأ الدنيا بما يجيده من الشتم و(الردح) و(المعايرة) وكأن العنان قد أُفلت له فجأة ودون سابق إنذار!
***
(٢)
العلاقات الاستراتيجية بين الدول تعنى أن ما بين تلك الدول من الثوابت المشتركة أو المصالح الواحدة أو المنظور الأمنى أكبر بصورة واضحة مما عداه من نقاط الاختلاف.. العلاقات الاستراتيجية بين الدول تأخذ طابعها من اسمها، بمعنى أنها علاقات طويلة الأمد، يُنظر فيها دائما إلى المستقبل البعيد ولا تؤثر فيها تفصيلة صغيرة هنا أو هناك.. إنما تتأثر فقط إذا ما تراكمت التفاصيل الصغيرة لتأخذ شكل (التوجه الثابت).. عندئذ يبدأ أطراف العلاقة الاستراتيجية فى مراجعة حساباتهم وتحليل مواقف بعضهم البعض ليقرروا بعدها جماعة أو منفردين إمّا اعتبار تلك التفاصيل مؤشرا على تحول استراتيجى فى العلاقة سواء بالتطور أو الضمور.. وإما اعتبارها كأن لم تكن مفضلين استمرار علاقتهم استنادا إلى حسابات المصالح.
***
(٣)
قبل عامين، وتحديدا فى شهر سبتمبر من العام ٢٠١٤، كتبت فى جريدة «الشروق» تحت عنوان «أولويات الحلف المشرقى (القاهرة ــ الرياض ــ أبوظبى)»:
(.. التحالف الاستراتيجى الذى تبلورت ملامحه بشكل كبير خلال العام الماضى بين مصر من جانب وكل من السعودية والإمارات والبحرين من جانب آخر يستعد لاجتياز تحديات عدة فى المستقبل القريب، تتراوح ما بين اختبارات جدوى نشأة التحالف ثم تماسكه واستمراريته ثم من بعد ذلك نموه الطبيعى ليشمل دولا أخرى).
واستطردت منبها إلى ضرورة الاتفاق على الأولويات تجنبا لمحطات اختلاف متوقعة:
«ورغم صلابة العوامل المشتركة التى أثمرت التحالف لكن يبقى أن (تحديد أولويات) الأهداف الاستراتيجية لهذه الشراكة بالإضافة إلى (توحيد الرؤى) حيال التحديات التى تواجه المنطقة ضمانة أساسية للتماسك وتوسيع العضوية.
ومن هذا المنظور يمكن القول بأن التطابق الحالى فى وجهات نظر الدول الثلاث حيال معالجة أزمة غزة ليس مثلا على نفس الدرجة من الانسجام فيما يبدو حيال العراق ولبنان وسوريا وإن كان ثمة ثوابت مشتركة دائما».
وحتى يومنا هذا لا يبدو واضحا للمراقبين ما إذا كانت هذه الأولويات قد تحددت أم لا.. وما إذا كان الحلف المشرقى يتقاسم نفس المنظور فى تناوله للتحديات أم لا أيضا.
***
(٤)
بلغة خالية من العواطف والانفعالات، ليس من مصلحة رُكنى المنطقة العربية الركينين مصر والسعودية أن تترككا الساحة لسفاهات الصغار وأحقاد الموتورين فيما الكبار يكتفون بالمشاهدة.. ليس من مصلحة الرياض ولا القاهرة أن نعود إلى حقبة مقيتة لا نجتر منها إلا الشعارات الفارغة والنعرات العصبية وفوق ذلك مرارة الهزائم والنكسات.
فليرأب الكبار الصدع قبل أن يزيده السفاء عُمقا.. ولينظر القادة إلى الأمام عشرات السنين قبل أى خطوة يخطونها اليوم!