نشرت صحيفة المغرب التونسية مقالا للكاتبة آمال قرامى بتاريخ 10 أكتوبر تناولت فيه اتجاه بعض الشخصيات السياسية للاستفادة من مزايا الخطاب الشعبوى فى ظل الوضع الاقتصادى والاجتماعى المتأزم لجذب الأصوات.. نعرض من المقال ما يلى.
توظف الشعبوية فى سياقات مختلفة (عالمية أو وطنية ــ محلية، ..) وتتجدّد من فترة تاريخية إلى أخرى، فتظهر فى نسخ versions مختلفة لتعكس تنوّع التجارب فى أوروبا وأمريكا اللاتينية والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من البلدان. ومن هذا المنطلق يمكن الحديث عن شعبوية متعدّدة.
وبما أنّه أُريد لنا أن نخوض مرّة أخرى، الانتخابات ونتابع الحملات الدعائية فإنّه لا مناص من النظر فى تموقع «الشعبوية التونسية» فى هذه الخارطة. فبالرجوع إلى مظاهر تأثّر الشعب التونسى بهذا المدّ الشعبوى نتبيّن أنّ نزوع بعض الشخصيات السياسية إلى الإفادة من «المزايا» التى تتيحها الشعبوية قد انطلق، فى الواقع، قبل 25 يوليو ثمّ «استفحل» بعدها، وهو قرار براجماتى واضح لكسب الأصوات ومعركة التموقع السياسى. ولا شكّ أنّ المتابع للخطابات السياسية والإعلامية وغيرها يزداد يقينا من استفحال العدوى.
وبناء على ذلك من المتوقّع أن يلجأ أغلب المترشحين الجدد إلى توظيف الخطاب الشعبوى سيما وأنّه أثبت نجاعته فى عدد من البلدان نسوق على سبيل المثال الانتخابات الفرنسية فى 2017. وإذا كان من الشائع القول إنّ الذين يعتمدون الخطاب الشعبوى القائم على دغدغة المشاعر والنزعة التبسيطية لحل القضايا هم المترشحون والمترشحات الذين يفتقرون إلى ثقافة سياسية متينة وتجربة ثرية، فإنّ ما عانيناه فى الأشهر الماضية، يقيم الدليل على أنّ من السياسيين والراغبين فى منصب «نائب الشعب» والامتيازات من سيركب «موجة الشعبوية» وسيلعب على وتر تحريك مشاعر التباغض والكره على أساس طبقى أو جهوى أو... بعد أن أوعزتهم الحيلة وصاروا غير قادرين فى التأثير فى الجماهير من خلال خطاب الديمقراطية والحريات و...
ومن المتوقّع أيضا فى ظلّ تأزّم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتزايد الإحساس بالخوف من الفقر والبطالة والجوع والمستقبل والشعور بالعجز، أن ينجذب الجمهور إلى الخطاب الشعبوى الذى يصوغه رجل أو امرأة من «عامة الناس» لا من الطبقة السياسية «الفاسدة» أو تلك التى تحترف الكلام لا الفعل فى الواقع من أجل المسحوقين المنسيين. إنّ هذا الذى «يشبهنا» ويشعر بآلامنا سيقطع مع الخطاب المعقلن أو الخطاب المعرفى المبنى على الاحصائيات والتصنيفات والدراسات المقارنية الذى ينتجه أصحاب التخصصات الدقيقة كأهل الاقتصاد وأهل الإنسانيات والخبراء والسفراء وغيرهم، وهو القادر على إحداث تغيير فورى لأنّه لا يكترث بالتخطيط على المدى البعيد ولا يحبّ الكلام «بالصعيب».
وفق هذا الواقع المأزوم ندرك أنّ الشعبوية تلبى حاجة لدى الناخبين والناخبات وتوجّه سلوكهم وقراراتهم باعتبار أنّها أوّلا: تروّج لفكرة أنّ النخب معادية للمهمشين ومستعلية، وثانيا: تزيد من تعميق الفجوات بين النحن فى مقابل «هم» وثالثا: التوهم بأنّ «الشعب» قادر بالفعل، على التعبير عن إرادته وله حكمة وبعد نظر وقدرة على التمييز، ورابعا: أنّ المترشّحة أو المرشح هو الذى سيكون الناطق الوحيد باسم «الشعب» والمدافع الشرس عن «الزواولة».
إنّ «الحقيقة» التى يروّج لها القائمون بالحملة الدعائية لا تستند إلى معطيات علمية دقيقية وخبرات متراكمة بل هى ملاحظات شخصية انطباعية وتلقائية لا تعتمد على إثباتات وحجج لذلك لن يدخل هذا الصنف من المترشحين والمترشحات فى النقاش مع الآخر غاية ما يمكنهم فعله هو الشتم وتوجيه التهم لأنّهم يعتبرون أنفسهم قد امتلكوا «الحقيقة» وأنّهم قادرون بالفعل على تحويل تونس إلى جنّة.
إزاء هذا الوضع لا تملك مختلف مكونات المجتمع المدنى المؤمنة بالقانون والحوار والديمقراطية والقيم الحداثية الكونية إلاّ أن تؤسس التحالفات. فالمسار الجديد ليس مسار أحزاب تتنافس بل مسار كتل وائتلافات بإمكانها فرض طرائق مختلفة للعمل وأنماطا مبتكرة للتواصل مع الجماهير وإعادة ترتيب للأولويات وهيكلة مختلفة لعملية بناء مسار جديد وطرح أفكار مغايرة. ونقدّر أنّ هذه التحالفات لا يمكن أن تؤسس للردّ على الشعبوية بل إنّ غايتها تحقيق الانتقال من مرحلة «هيمنة السياسى على الاقتصادى» إلى مرحلة العمل على تحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية والجندرية.