في الأسابيع القليلة الماضية زرت متحف مصطفى كامل وفي السنين الماضية زرت أيضاً متاحف أحمد شوقي وسعد زغلول وأم كلثوم ونجيب محفوظ. الحق يقال لقد استمتعت جداً بهذه الزيارات لعدة أسباب مثل أننا نهتم برموزنا الأدبية وأنني تعلمت بعض ما لم أكن أعلم عن تلك الرموز بالإضافة طبعاً إلى الاستمتاع ببعض الصور النادرة ورؤية بعض متعلقات تلك الشخصيات العظيمة مما يعطينا فكرة أكثر قرباً عنهم.
ما أحزنني أن في كل تلك الزيارات لم يكن هناك زواراً تقريباً وهذا معناه إما أننا لا نهتم بمعرفة رموزنا جيداً أو لا نعلم بوجود تلك المتاحف أو نظن أن القراءة عن تلك الرموز يعوض عن زيارة المتحف أو لا نجب فكرة المتحف شيقة. الأمر الآخر الذي أحزنني أن تلك المتاحف تغطي التاريخ الفني والأدبي لنا لكن لا يوجد متحف (على حد علمي) متعلق بالعلم أو بالرموز العلمية المصرية عبر التاريخ الحديث. أتمنى أن أرى متحف يتحدث عن علمائنا الكبار مثل أحمد زكي عاكف وعلي مصطفى مشرفة وأحمد رياض تركي ومحمد كامل حسين وعلي باشا إبراهيم وأحمد مستجير والكثير ممن لا تعرف الأجيال الجديدة عنهم شيئاً. أتمنى أن أرى معرضاً يعرض صوراً نادرة لهم تحكي قصة حياتهم وما قدموه للعلم والتعليم معاً ويتبع ذلك بعض المعلومات المبسطة عن تخصص كل عالم منهم وكيف يؤثر هذا التخصص على حياتنا الآن.
ما هي أهمية وجود متحف علمي في مصر؟
تحدثنا كثيراً في مقالات سابقة عن الصحافة العلمية وأهميتها. المتحف العلمي يساعد الصحافة العلمية لتعريف الناس بالعلم والعلماء وكيف تؤثر على حياتهم. يمكننا كتابة الكثير من المقالات عن أهمية العلم لكنها لن تصل إلى كل الناس. المتحف يصل إلى عدد أكبر إذا أحسنا تسويقه وتعريف الناس به. المثل القديم يقول إن الصورة بألف كلمة فماذا عن زيارة كاملة لمكان يعج بالصور والمقتنيات والأفلام الوثائقية القصيرة إلخ؟ بل ويمكن أن تكون زيارة المتحف خطوة نحو جعل الزائر يقرأ أكثر أو تدفع طالباً لأن يختار تخصصاً يبرع فيه.
المتحف العلمي لا يجب أن يكون مجرد مؤسسة تعمل وحدها بل يجب أن يبني علاقة مع الجامعات والمدارس. لا أقصد فقط تنظيم رحلات للمتحف لكن المتحف نفسه يمكن أن يرسل من يعطون محاضرات تعريفية عن المتحف ومقتنياته بل ويمكن أن يستضيف المتحف العلمي بعض طلاب الكليات والمدارس كمتدربين في الإجازة الصيفية.
المتحف في القرن الواحد والعشرين لا يجب أن يكتفي بعرض أشياء صامتة بل التفاعل مع المعروضات يجب أن يكون مكوناً أساسياً في المعرض. أبسط شيء هو عند الضغط على صورة مثلاً تستمع إلى قصة هذه الصورة. يمكن استخدام نظارات خاصة لرؤية ثلاثية الأبعاد لفيلم تسجيلي قصير متعلق بعالم معين ويمكن أن يسمح بزيارة المتحف عن طريق الكمبيوتر (أونلاين). هذه فقط بعض المقترحات لكني واثق أن القائمين على هذا المتحف (إن قدر له الوجود) سيكون لهم أفكاراً أفضل وأجمل.
مثلما أن الصحافة العلمية يجب أن تكون مشوقة ومسلية والا عزف عنها الناس فإن المتحف العلمي يجب أن يكون مسلياً ومشوقاً ويحبب الناس في العلم ويشعرهم بالفخر برموزنا العلمية وتاريخ مؤسساتنا العلمية مثل الجامعات وأكاديمية البحث العلمي والمركز القومي للبحوث ومصلحة الكيمياء إلخ. وأهم شيء هو ربط العلم بحياتنا اليومية حتى لا يظن زائر المتحف أن ما يراه مجرد كلام نظري.
المتحف أيضاً يمكن أن يكون مؤسسة بحثية مصغرة تصدر أبحاثاً علمية عن تاريخ العلوم وخاصة تاريخ العلوم عندنا في المائتي عاماً الماضية لأنها فترة لم يدرسها أحد من ناحية العلوم وتطورها. طبعاً تلك الفترة مليئة بالأحداث السياسية المحلية والعالمية التي تغطي على الأحداث العلمية لكن هذا لا يمنع من وجود علامات مضيئة ورموزاً يجب أن نعرفها وتعرفها الأجيال القادمة.
وجود هذا المتحف يحتاج إلى تمويل وإلى دعم حكومي وإلى تسويق. التسويق ليس مجرد خبراً في جريدة بل يجب أن تكون للمتحف صفحة على الانترنت وعلى جميع منصات التواصل الاجتماعي ويجب أن يتم تحديثها يومياً لأن هذا ما يجذب الأجيال الجديدة.
قد يكون هذ المقال حلماً أو أمنية لكن كل شيء يبدأ هكذا.