نشر موقع درج مقالا للكاتب حسن مراد، يوضح فيه أن الجدل حول تصريحات النائبة الفرنسية (من أصول فلسطينية) ريما حسن، يعكس توترات سياسية فى فرنسا تتعلق بحرية التعبير والانحياز لإسرائيل، حيث تواجه النائبة ريما حسن دعوات لإسقاط جنسيتها الفرنسية بسبب موقفها القانونى من الكفاح المسلح. يعكس هذا السجال تصاعد محاولات اليمين المتطرف لاستهداف المهاجرين المجنسين، كما يسلط الضوء على إشكاليات تقييد حرية التعبير لمزدوجى الجنسية والتلاعب بالقوانين لخدمة أجندات سياسية.. نعرض من المقال ما يلى:
ليست المرة الأولى التى تثير فيها تصريحات ريما حسن الجدل داخل فرنسا، لكن الأمور سلكت هذه المرة منحى مختلفا مع الدعوات إلى تجريدها من جنسيتها الفرنسية.
خلال مقابلة مع إذاعة Sud Radio فى 27 فبراير، وردا على سؤال عما إذا كانت تعتبر «حماس» حركة مقاومة، صرحت النائبة الفرنسية (الفلسطينية الأصل) فى البرلمان الأوروبى بما يلى: «أنا أتحدث بلغة القانون الدولى، ما تقوم به حماس شرعى والقانون الدولى شديد الوضوح: الكفاح المسلح فى سياق استعمارى مسألة شرعية وعلى القانون الدولى أن يكون بوصلتنا جميعا».
تصريح دفع بوزير الداخلية الفرنسى، برونو روتايو، إلى التوجه للمدعى العام لفتح تحقيق قضائى بشبهة «محاباة الإرهاب». فى حال إدانتها، قد تصدر بحقها عقوبة تصل فى حدها الأقصى إلى السجن سبع سنوات وغرامة بقيمة مائة ألف يورو، وفقا للمادة 421-2-5 من قانون العقوبات. خطوة روتايو ليست بالأمر الجديد على ريما حسن، إذ استدعتها إلى التحقيق قبل ذلك أجهزة الشرطة على خلفية مواقف أدلت بها حيال القضية الفلسطينية وعملية 7 أكتوبر.
لكن النائبة فى البرلمان الأوروبى ماريون مارشال، ذات التوجه اليمينى المتطرف، وعبر أثيرSud Radio، طالبت بنزع الجنسية الفرنسية عن زميلتها. دعوة لاقت تفاعلا فى أوساط اليمين واليمين المتطرف الفرنسى لتبلغ أوجها مع تصريح وزير الدولة للشئون الداخلية فرنسوا - نويل بوفيه عن وجوب بحث هذه المسألة فى حال إدانتها.
• • •
لكن على أرض الواقع، يفتقد مناوئو ريما حسن إلى سند قانونى متين يتيح لهم ترجمة دعوتهم على أرض الواقع.
استنادا إلى المادة 25 من القانون المدنى الفرنسى، يُمنع إسقاط الجنسية الفرنسية إذا كان سينتج منه وضع الفرد فى خانة «عديمى الجنسية». بعبارة أخرى، لإسقاط الجنسية الفرنسية عن شخص ما، من الملزم أن يكون من مزدوجى الجنسية. ريما حسن أعلنت فى تصريحات سابقة أنها لا تحمل سوى الجنسية الفرنسية، ما يعنى إجهاض تلك الدعوات من حيث المبدأ.
لكن وعلى فرض إثبات حيازة ريما حسن جنسية ثانية، قبل الشروع فى هذا المسار الشائك لا بد من صدور حكم قضائى يدينها بمحاباة الإرهاب، وأن تصنّف هذه الإدانة فى خانة «الإضرار بمصالح فرنسا الحيوية لصالح دولة أجنبية»، وهو الشرط الثانى الذى نصّت عليه المادة 25 من القانون المدنى الفرنسى.
من الواضح أن ماريون مارشال على دراية بالمادة المذكورة بعدما رأت فى تصريحات ريما حسن تهديدا للاستقرار الأمنى الفرنسى: برأى النائبة اليمينية المتطرفة، غاية «حركة حماس» ليست القضاء على إسرائيل فحسب، بل كذلك غزو الغرب. حجة مردود عليها إذ لم تعلن النائبة اليسارية تأييدها المطلق للحركة، بل صرحت فى المقابلة ذاتها أن قرارات الأمم المتحدة لا تشرعن كل الأعمال العسكرية كالتعرض للمدنيين، مذكرة أيضا بتصنيفها ما حصل فى 7 أكتوبر بجرائم حرب.
علاوة على ذلك، على رغم استدعاء ريما حسن إلى التحقيق فى وقت سابق، لم تصدر بحقها أية إدانة قضائية. وإذا أخذنا بالاعتبار خلفيتها الحقوقية، نستنتج أنها نجحت حتى اللحظة فى السير داخل «حقل الألغام هذا» بعدما أحسنت اختيار مفرداتها وحججها.
بانتظار قرار المدعى العام، كل الأدلة تشير إلى أننا أمام محاكمة سياسية متعددة الأوجه.
• • •
فى الشكل، لا يمكن تجاهل أن من بادر إلى إثارة هذا الجدل هو نائبة يمينية متطرفة تعتبر المهاجرين تهديدا أمنيا وثقافيا لفرنسا. بالتالى، التعرض إلى ريما حسن، يندرج حكما فى سياق التسويق لبرنامج سياسى داخلى عنوانه: المهاجرين المجنسين أفراد غير مندمجين فى المجتمع الفرنسى.
فى هذا السياق، يجدر التوقف عند تصريح النائب عن حزب التجمع الوطنى (أبرز أحزاب اليمين المتطرف الفرنسى) جان فيليب تانغى، الذى لم يكتف بالربط بين معاداة السامية وكراهية فرنسا، بل صرح أيضا فى مقابلة تلفزيونية: «استنادا إلى البروباجندا المحيطة بريما حسن، يصعب معرفة ما إذا كانت مزدوجة الجنسية أو ولدت عديمة الجنسية».
إقحام عبارة البروباجندا، بما ترمز إليه من محاولة لإخفاء حقيقة ما، يدفع إلى التساؤل: لماذا التشكيك فى حمل ريما حسن جنسية واحدة فقط؟ التفسير الوحيد هو أصول ريما العربية، من غير المستبعد أن يعتبرها تانغى نقطة ضعف تخوّله التصويب عليها لإصدار أحكام مسبقة وتصويرها دخيلة على المجتمع الفرنسى.
• • •
علاوة على ذلك، من الوارد أن تكون خلف هذه الحملة غايات أخرى: كما هو معروف، لليمين المتطرف الفرنسى متمثلا بحزب التجمع الوطنى وعائلة جان مارى لوبان (جد ماريون مارشال) تاريخ حافل فى معاداة السامية. لكن منذ سنوات يسعى هذا الفريق إلى محو هذا الإرث وتلك السمعة السيئة عبر المزايدة السياسية فى دعم إسرائيل.
من جانب آخر، ارتبط اسم اليمين المتطرف الفرنسى بمحطة سوداء من تاريخ فرنسا: دعم حكومة فيشى الموالية للنازية والتى أصدرت مراسيم قضت بإسقاط الجنسية الفرنسية عن عدد من اليهود الفرنسيين كما عن شخصيات بارزة مثل شارل ديجول. إذا، من غير المستبعد أن تكون هذه الحملة نوعا من تبييض الصفحة.
فى المضمون، يصعب فصل الحملة على ريما حسن عن موقف الحكومة الفرنسية المنحاز لإسرائيل منذ 7 أكتوبر وكل المحاولات الرسمية وغير الرسمية الساعية إلى شيطنة مؤيدى الطرف الفلسطينى، أيا يكن شكل ومضمون ودرجة التأييد.
التعرض لشخصية عامة من جهة والإصرار من جهة أخرى على اجتزاء كلامها وعدم الأخذ بالاعتبار مجمل مقابلتها، بخاصة إدانتها «جرائم الحرب التى ارتكبتها حماس» أو تأكيد تمسكها بالقانون الدولى ووضعها الأحداث فى سياقها التاريخى، يدفع إلى التساؤل عن احتمال وجود نية فى تقييد حرية التعبير لدى شريحة من الشارع الفرنسى، ما قد يردع أى فرنسى مزدوج الجنسية عن التعبير عن آرائه السياسية تلك، خشية من إسقاط الجنسية الفرنسية عنه.
أخطر ما فى هذا السجال هو احتمال إغلاقه على قاعدة: «عدم تجريد ريما حسن من جنسيتها الفرنسية، هو لتجنب تحويلها إلى شخص عديم الجنسية». من الضرورى إثبات أن ما سيحول دون الإقدام على هذه الخطوة، هو انتفاء أى مضمون قانونى يدينها سواء بمحاباة الإرهاب أو بالإضرار بمصالح فرنسا.
من جانب آخر ودائما على صعيد المضمون، تفتح هذه الحملة باب الجدل حول مفهوم الانتماء إلى فرنسا.
من شروط الحصول على الجنسية الفرنسية احترام جملة من القيم والمبادئ، أبرزها: الحرية والمساواة والإخاء وعلمانية الدولة. وعليه، من الطبيعى رفض تجنيس أى أجنبى تتنافى تصرفاته مع تلك القيم، كالبوح بكلام عنصرى.
لكن المطالبة بإسقاط الجنسية عن ريما حسن على خلفية ما أدلت به، قد تفضى مع مرور الوقت إلى تكريس عدد من الآراء السياسية بعينها كمرجع. إذا صحت هذه الفرضية سيصبح امتناع المهاجرين عن تبنى هذا «المرجع»، بمثابة انتقاص من أهليتهم للحصول على الجنسية الفرنسية.
وبالعودة إلى ما ذُكر أعلاه حول تقييد حرية التعبير لدى مزدوجى الجنسية، سيضطر المهاجرون، لا سيما أولئك الذين يستوفون شروط التجنيس، إلى ممارسة رقابة ذاتية على آرائهم السياسية.