... كتاب «التطور العمرانى لشوارع مدينة القاهرة» للمؤرخ القاهرى القدير فتحى حافظ الحديدى (صدر عن الدار المصرية اللبنانية 2014)؛ أعتبره، من وجهة نظرى، أهم كتاب ظهر عن تخطيط القاهرة، يؤرخ لشوارع المحروسة الرئيسية طوال القرن العشرين، ويكشف تطوراتها العمرانية والسكانية وتغييرات مسمياتها من إنشائها وحتى الآن.
فعلى كثرة الكتب المؤلفة والمترجمة عن القاهرة، تخطيطها وتاريخها وشوارعها وآثارها.. (إلخ)، وعلى ما وفّرته من مادة غزيرة ومهمة عن المدينة الخالدة، فإن هذا الكتاب، تحديدًا، ينفرد من بينها جميعًا، بأنه يكاد يكون الكتاب الوحيد الذى قام بوضعه وتأليفه باحث متخصص؛ كان فى الأصل موظفًا بوزارة الأشغال العمومية، وهى الوزارة المعنية بتخطيط الشوارع وتسميتها، ووضع حدودها الجغرافية، والتوثيق لمبانيها القديمة والحديثة على السواء، بالإضافة إلى تشييد المبانى العامة وصيانتها، وذلك قبل أن تختفى هذه الوزارة، ويزول اسمها من على خارطة وزارات الحكومات المتعاقبة على حكم مصر، لتقتصر على ما يعرف باسم وزارة «الرى».
الكتاب يعدّ «كنزًا تاريخيًا» بكل ما تعنيه الكلمة؛ بمادته، وصوره النادرة، وتوثيقه الدقيق، وتتبعه لتاريخ الشوارع منذ شقها وتخطيطها وحتى صورتها الحالية، كاشفًا ربما ــ وللمرة الأولى فى تاريخ الكتب التى تناولت القاهرة وشوارعها ــ المبانى ذاتَ الطبيعة الخاصة (الفيلات، والقصور، ودور العبادة، واستديوهات التصوير السينمائى.. إلخ) التى كانت موجودة وقائمة فى فترة من فترات التاريخ، وتم هدمها، أو تغيير هويتها العمرانية ليحل محلها مبانى أو عمارات حديثة على الطرز الغربية، وهو فى هذا يطرح بدقة شديدة بالتواريخ والبيانات الموثقة ما آلت إليه هذه المبانى.. كيف ومتى نشأت وعاشت وهدمت.
تعامل مؤلف الكتاب مع مظلة واسعة وغزيرة، وربما غير مسبوقة من المصادر التاريخية والأثرية والوثائق، تحفل بِصورٍ وسجلاتٍ غاية فى الندرة، مثل أرشيف وزارتى الأشغال العمومية، والأوقاف، والدوريات القديمة، حيث يوضح الحديدى طبيعة هذه المصادر التى رجع إليها، واستند عليها فى جمع مادته التاريخية والأثرية بالإشارة إلى إفادته من مراجعة محفوظات وزارة الأشغال العمومية بدار الوثائق القومية، وكذلك مراجعة مجلدات الدوريات بدار الكتاب المصرية.
يستهل مؤلف الكتاب الإشارة إلى موضوعه وطبيعة مادته قائلا «يتناول هذا الكتاب تاريخ التطور العمرانى لشوارع منطقة أواسط المدينة. وسوف يجد القارئ المتابع لهذا الموضوع أن هذا الكتاب يحتوى على دراسة تاريخية لمجموعة كبيرة من الشوارع تتم لأول مرة، مدعمة بالصور التاريخية النادرة، كما سيجد الكثير من المواقع التاريخية المهمة التى تم تحديدها لأول مرة».
ويرتب الحديدى موضوعات كتابه أبجديا، للتيسير على قارئه، وعلى الباحث عن معلومة بعينها أو تاريخ شارع بذاته، أو مبنى قديم أو أثر مندرس، ممهدًا لموضوعات الكتاب بدراسة عميقة وممتعة عن «تسمية شوارع القاهرة»، والتغييرات التى أجريت عليها، وما لحق تسميات المؤسسات والمنشآت العامة الكائنة بتلك الشوارع من تغييرات هى الأخرى، كاشفًا عن الشكل المساحى للشوارع والعقارات محل الدراسة وارتفاعاتها، مع التطرق لأثر الزيادة السكانية على منطقة وسط البلد بالقاهرة، وما ترتب على ذلك من تغيير كبير طال الكثير من مبانيها وطمس معه الكثير أيضًا من الحقائق التاريخية، مما شكل صعوبة وندرة فى الوصول إلى المعلومات التاريخية المسجلة عن الشوارع.
ثم يفرد الحديدى صفحات كتابه بعد ذلك للحديث عن شوارع القاهرة المحروسة، تفصيلا، بدءًا بشارع أحمد باشا، وشارع أحمد ماهر (تحت الربع)، وشارع الأزهر، والألفى، والبستان (عبدالسلام عارف)، معرجًا على شوارع محور شمال الجمالية الذى يضم (البغالة/ البنهاوى/ باب الفتوح/ القصاصين). ويتابع الحديدى مسحه الميدانى والتاريخى والأثرى لبقية الشوارع الشهيرة والكبيرة فى القاهرة:
شارع التحرير، الجمالية، الجمهورية، جواد حسنى، جوهر القائد، الجيش، حسن الأكبر، الحسينية، خيرت، رشدى، رمسيس والجلاء، شريف، شامبليون، الشواربى، الشيخ ريحان، صبرى أبوعلم، طلعت حرب، عبدالخالق ثروت، عبدالعزيز، عدلى، عماد الدين، الفجالة (كامل صدقى)، قصر العينى، قصر النيل، كلوت بك، كورنيش النيل، المبتديان، محمد على، مجلس الشعب، محمد محمود، مصر والسودان، المعزلدين الله، منصور، الموسكى، نجيب الريحانى، نوبار، وأخيرا شارع 26 يوليو.
هذا الكتاب «موسوعة» حقيقية، مزودة بمجموعة من أندر الصور الفوتوغرافية لشوارع القاهرة ومبانيها وآثارها الشهيرة، منذ تخطيطها وحتى الآن.