نشر المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية مقالا لإسراء على تناولت فيه التعليم الفنى فى مصر والجهود التى تتم لإصلاح المنظومة.. نعرض منه ما يلى. تخضع النسبة الأكبر من المدارس الفنية للإدارة والإشراف الكامل لوزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى، وتضم تخصصات التعليم الفنى التجارى والصناعى والزراعى والفندقى بمختلف تخصصاتهم، بينما يوجد بعض المدارس الفنية التى تتبع وزارات أو هيئات حكومية مختلفة، ومنها مدارس التمريض، المتوسطة وفوق المتوسطة، التى تتبع وزارة الصحة، وتقدم شهادتين إحداهما متوسطة بعد إتمام 3 سنوات دراسية، والأخرى فوق متوسطة بعد إتمام خمس سنوات دراسية، وتحظى هذه المدارس بإقبال كبير بسبب ما تقود إليه من مستقبل مهنى جيد ومضمون، لهذا فإنها تحظى بتنسيق التحاق مرتفع يتخطى الحد الأدنى للقبول فى التعليم الثانوى العام. وتشبه هذه المدارس فى الاختصاص، مدارس التمريض العسكرى، وإن كانت تختلف عنها فى التبعية، حيث تتبع الأخيرة وزارة الدفاع.
هناك أيضا المدارس الثانوية الفنية البحرية، وهى تتبع هيئة قناة السويس بمدن القنال الثلاث، وتقدم شهادة تعادل دبلوم المدارس الثانوية الصناعية بعد إتمام أربع سنوات دراسية. وهناك أيضا الهيئة القومية لسكك حديد مصر التى ترعى مدارس فنية متخصصة تابعة لها، تؤهل الطلاب للعمل بها بعد إتمام الدراسة لمدة ثلاث سنوات. على صعيد آخر تقدم وزارة التجارة والصناعة برامج للتعليم الفنى والمهنى، حيث تقدم مصلحة الكفاية الإنتاجية والتدريب المهنى دبلوم التلمذة الصناعية، ومدته ثلاث سنوات. وتقدم معظم هذه المدارس غير التابعة لوزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى امتياز التكليف المباشر للعمل بعد التخرج، وتشرف وزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى على كل المدارس الفنية بمختلف تبعياتها واختصاصاتها، وتتولى متابعة النواحى التعليمية، بينما تتولى الوزارات والهيئات الاشراف الفنى، وخاصة اشتراطات الالتحاق والنجاح، والرسوب، وتنفيذ التدريبات الميدانية.
أما على صعيد مدارس التعليم الفنى الخاصة (ذات المصروفات) فبالرغم من النمو البطيء نسبيا فى أعدادها إلا أن هناك وثبة حقيقية فى بعض التخصصات. وتختلف هذه المدارس عن المدارس التكنولوجية التطبيقية التى بدأت عام 2018، فالأخيرة تتبع وزارة التربية والتعليم بمشاركة القطاع الخاص بنظام بروتوكولات التعاون، بينما الأولى تتبع القطاع الخاص وتمثل امتدادا للتخصصات الموجودة بالمدارس الفنية التابعة لوزارة التربية والتعليم ولكن بكثافة أقل داخل الفصول، وبعض المميزات الأخرى كتوفير تدريبات فى بعض الشركات أو المصانع، ويشرف على هذه المدارس إدارة المدارس الخاصة التابعة لوزارة التربية والتعليم فقط بغرض المتابعة الفنية والإدارية، مثلما هو الحال مع كل المدارس الخاصة.
•••
تعد تجربة مدارس مبارك كول الثانوية الفنية المتقدمة عام ١٩٩١، أولى محاولات تطوير التعليم الفنى من خلال نقل التجربة الألمانية فى التعليم الفنى، والتى تعتمد على شراكة المصانع الخاصة مع وزارة التعليم لتوفير الميادين التدريبية اللازمة لطلاب التعليم الفنى، بهدف توفير الأيدى العاملة والماهرة المدربة وربط مهارات التعليم باحتياجات سوق العمل. ويعتمد نظام الدراسة فى هذه المدارس على تعلم المواد الفنية والثقافية بالصفوف الدراسية بالإضافة إلى التدريب العملى داخل مواقع الإنتاج التابعة للقطاع الخاص، ويتسلم خريج هذه المدارس شهادة خبرة من جهة التدريب يتم اعتمادها من جمعية المستثمرين والغرفة التجارية الألمانية العربية بالقاهرة.
وصلت تجربة مبارك كول إلى ذروة نجاحها بحلول عام 2010، حين تم اكتمال بناء منصة البرنامج، ودعم بناء القدرات، علاوة على إضفاء الطابع المؤسسى على هذه المدارس، حيث غطت 22 محافظة بحلول 2009 بإجمالى عدد 76 مدرسة، ووفرت 1900 شركة برامج تدريبية للطلاب فى ميادينها، تخرج منها نحو 24 ألف طالب منهم 13% إناث، إلا أن هذه المدارس عانت فى السنوات التالية من إهمال صيانة البنية التحتية، بالإضافة إلى ضعف الخبرات المهنية للمعلمين، وخلل بعض التشريعات.
فى 2009 أطلق صندوق تطوير التعليم التابع لرئاسة مجلس الوزراء نموذجا جديدا للتعليم الفنى يسمى مجمع التعليم التكنولوجى المتكامل، ويضم ثلاثة مستويات من المؤهلات الفنية تبدأ بشهادة الدبلوم فى التكنولوجيا (المدرسة الثانوية الفنية) لمدة ثلاث سنوات، ثم شهادة الدبلوم العالى (المعهد الفني) لمدة سنتين إضافيتين، ثم درجة البكالوريوس فى التكنولوجيا (المعهد الفنى المتقدم) لمدة سنتين أخريين. وتتوافق هذه المجمعات وأطر المؤهلات الدولية، فهى قائمة على شراكة مع دول ألمانيا وإيطاليا، وكوريا الجنوبية، وضمن اتفاقيات تبادل الديون.
لم تحقق هذه المجمعات أهدافها، بسبب غياب التشريعات الداعمة، ونقص التنسيق بين الجهات المعنية، وذلك وفق تصريحات صدرت فى عام 2019 عن الأمين العام لصندوق تطوير التعليم برئاسة مجلس الوزراء. وكمحاولة لتجاوز المشكلات، بدأ من عام 2019 تطوير نظم التعليم فى هذه المجمعات عبر تطبيق مناهج الجدارات، والتى ترمى إلى تنمية المهارات الفنية بهدف ربط الخريج بسوق العمل، من خلال تتبع نمو مهاراته المكتسبة أثناء سنوات الدراسة بالاعتماد على ما يسمى بملف إنجاز الطالب، والذى يحوى جميع الأنشطة العملية التى قام بها خلال سنوات التحاقه بالتعليم الثانوى الفنى، بالإضافة إلى نتائج الاختبارات فى نهاية كل عام دراسى.
تعادل شهادات المجمعات التكنولوجية المتكاملة ما يقابلها من شهادات الدبلوم الوطنى فى المملكة المتحدة، وتؤهل حاملها للعمل كفنى، أو كتكنولوجى، أو كبير تكنولوجيين، حسب نوع الشهادة، كذلك تمكنه من إكمال الدراسات العليا والحصول على الماجستير والدكتوراه فى التكنولوجيا بعد إنهاء المستوى الثالث، وقد تم استصدار أول شهادة فنية بنظام الجدارات بالتعاون مع اتحاد الصناعات فى يوليو 2021.
من جهة أخرى تم إنشاء الشبكة القومية للمجمعات التكنولوجية المتكاملة فى أربع مناطق صناعية هى: الأميرية، والفيوم، وأسيوط، وأبو غالب، وتضم هذه الشبكة نحو 3 آلاف طالب حتى العام الدراسى الحالى 2020 ــ2021، ويسعى صندوق تطوير التعليم إلى التوسع فى إنشاء المجمعات الفنية التكنولوجية المتكاملة من خلال دراسة تحويل مقر الصندوق فى محافظة الإسكندرية إلى مجمع تكنولوجى يخدم صناعة الغزل والنسيج. وقد وافق مجلس إدارة الصندوق فى مارس الماضى على إنشاء المركز القومى لتطوير التعليم الفنى والتكنولوجي؛ بهدف تدريب أعضاء هيئة التدريس وهيئاته المعاونة داخل مؤسسات التعليم الفنى قبل الجامعى والجامعى، وتأهيل المتخصصين فى أعمال الامتحانات المهنية التأهيلية، وإعداد مناهج الجدارات فى التخصصات التكنولوجية الجديدة، وربما ستساهم الجامعات التكنولوجية الجديدة كمسار رسمى فى تغيير مستقبل هذا النوع من المدارس الفنية إلى الأفضل.
أنشأت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى فى عام 2018 المدارس التكنولوجية التطبيقية كنماذج للتعليم الفنى المطور بالتعاون مع القطاع الخاص، حيث يمثل الشريك الصناعى اللبنة المحورية فى التطوير، ويساهم اتحاد الصناعات والمؤسسات الوطنية المصرية فى تيسير اختيار الشريك المناسب، من خلال تدشين إدارة مختصة لمتابعة الشراكات، وقد وصل عدد المدارس التكنولوجية التطبيقية إلى 21 مدرسة حتى العام الحالى، ومن المُستهدف أن تصل إلى 100 مدرسة بحول 2030.
•••
تقدم هذه المدارس تخصصات فريدة تتسم بالنوعية الدقيقة، والحداثة، فلأول مرة يتم استحداث مدرسة فنية لصناعة الحلى والمجوهرات، وأخرى لدراسة الميكاترونيك، وغيرها. يعتمد التعليم بهذه المدارس على نظام الجدارات، والذى يتكون من شقين متساويين بواقع 50% لصالح المناهج التقنية، وتضم المعارف والمهارات والاتجاهات اللازمة لتعلم حرفة أو مهنة محددة؛ و50% للشق الثانى ويضم المناهج العلمية العامة مثل الكيمياء والفيزياء واللغات والرياضيات، بالإضافة إلى المهارات الحياتية كالتواصل والعرض والقيادة وحل المشكلات وإدارة الأزمات وغيرها.
كان الدستور المصرى مقسطا عندما أفرد مادة كاملة للتعليم الفنى نصت على «تلتزم الدولة بتشجيع التعليم الفنى والتقنى والتدريب المهنى وتطويره، والتوسع فى أنواعه جميع، وفقا لمعايير الجودة العالمية، وبما يتناسب مع احتياجات سوق العمل»، وجاء مشروع قانون إنشاء الهيئة المصرية لضمان الجودة والاعتماد فى التعليم والتدريب الفنى والتكنولوجى ليترجم تفعيل هذه المادة على أرض الواقع. تضطلع هذه الهيئة بمتابعة وتحسين جودة التعليم الفنى وما يقدمه من برامج تعليمية. حيث ستتولى وضع معايير محددة لمقدمى خدمات التعليم والتدريب التكنولوجى والفنى والمهنى، بما يتفق مع منهجية الجدارات، وملاءمة المواصفات الدولية وضمان الاعتراف الدولى بنظام الاعتماد المصرى. كذلك ستتولى الهيئة متابعة التطور المهنى للمعلمين بالمدارس الفنية والمهنية والتكنولوجية.
فى إطار سعى مجلس التعليم التكنولوجى وصندوق تطوير التعليم التابع لرئاسة مجلس الوزراء لتطوير التعليم التكنولوجى وتشجيع الطلاب على الالتحاق به، تم إنشاء ثلاث جامعات تكنولوجية هى: جامعة القاهرة الجديدة التكنولوجية، وجامعة الدلتا التكنولوجية، وجامعة بنى سويف التكنولوجية، بالإضافة للكليات التكنولوجية القائمة والتى تضم عددا من المعاهد فوق المتوسط التى تمنح مؤهل فوق متوسط بمسمى تكنولوجى، ويبلغ عددها ثمانى كليات بواقع 45 معهدا موزعة على عدد من المحافظات.
إن هناك جهودا لإصلاح منظومة التعليم الفنى، بما فى ذلك إنشاء أقسام علمية متخصصة وفريدة من نوعها بالكليات والمعاهد بما يتناسب ومخرجات المدارس التطبيقية، وخاصة التوجهات الحديثة نحو ريادة الأعمال، والاقتصاد الأخضر، والتحول الرقمى، واستحداث رخصة لمزاولة المهن الفنية والتكنولوجية متدرجة بمستويات تعكس سنوات الدراسة والخبرة العملية، مما سيساهم فى خفض نسب التسرب، وزيادة نسب التعليم الفنى المتوسط والعالى، وإعادة توزيع المدارس الفنية على خريطة مصر الصناعية والتجارية، بما يدعم ظهور مدن صناعية متخصصة كمدينة الأثاث بدمياط، ويعزز مسارات التقدم الصناعى فى مصر.
النص الأصلى